حنفاء؟ فمن اجتالهم؟ فإنهم هم الذين اجتالوا العباد، فهذا وارد على عمومهم
الفطرة، مع التسليم والمماشاة، وأما قوله: فمن أين لكم أنه لا يزول؟
قلنا: من إخبار الله في الآيات التي ساقها في صدر السؤال، ولعدم
الدليل على زوال ما كانوا عليه، وكفى دليلًا على عدم زوال نجاسة الكفر،
وخبث الشرك، ودرن التكذيب بالنار قوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ}
إلا أنه قال شيخ الإسلام:
إن هذا الإخبار منه تعالى عنهم قبل دخولهم النار، فإنه تعالى قال: {وَلَوْ
تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ} إلى قوله: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا
عَنْهُ} [الأنعام: 27، 28]؛ أي: لو رُدّوا من شفير جهنم قبل دخولها لعادوا لِمَا
نهوا عنه من التكذيب والكفر، وذلك لازم لهم لم يُزل عنهم خبث الشرك، فإنه
لا يزول إلا بدخول النار.
قلت: قد حكى الله عنهم أنهم يقولون وهم بين أطباقها يَصْلَونها: {رَبَّنَا
أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107)} [المؤمنون: 107]، وأنه يقول في جوابهم:
{قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108]، فلم يجبهم تعالى، وقد ذاقوا
العذاب، واعترفوا بالظلم، إلا بقوله: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ}، ولم يقل:
ابقوا حتى تطهروا من خبث الكفر، ولعل شيخ الإسلام يقول: لم يكن عند هذا
الاعتراف قد طهرت تلك النفوس من خبث الشرك.
وجوابه: أن هذه الدعوى من العنت، وتقريره أن زوال خبث الشرك
والكفر بالنار من عيب تفرّع عن دعوى الفناء للنار، والأصل بقاؤه ما لم يقم
عليه دليل، كما عرفت.
ثم استدلّ على ذلك المدعى بأحاديث الشفاعة الثابتة في "الصحيحين"
وغيرهما، وفيها: "أن الله يقبض قبضة من النار، فيخرج منها قومًا لم يعملوا
خيرًا قط" قال:
فهذا يدل على إخراج قوم لم يكن في قلوبهم خير قط، كما يدل له
السياق، فإن لفظ الحديث هكذا: "أخرجوا من في قلبه مثقال ذرة من خير،
فيخرجون خلقًا كثيرًا، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها خيرًا، فيقول الله: شفعت
الملائكة، وشفع النبيون، وشفعتِ المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين،