قلت: وهو تحقيق حسن، إلا أني لا أدري من الذين قالوا: إن العقل

حكم بخلود العصاة في النار، فإن أشد الناس بهم الوعيدية، والمعتزلة، إلا

القليل، وأكثرهم قائلون بأن العقل يقضي بحسن العفو عن الكفار، لولا ورود

السمع بأن الله لا يغفر أن يُشرك به.

هذا، وقد انتهت المناظرة التي ساقها ابن القيم عن شيخه شيخ الإسلام

بين الفريقين، ومن له نباهة وهو من أولي الألباب لا يخفى عليه بُعد ما قررناه

وجه الصواب.

ثم ساق شيخ الإسلام من الأدلة على مدعاه، فقال مستدلًّا:

إن الله خلق عباده على الفطرة، وخلقهم حنفاء، فلو خُلّوا وفِطَرهم لَمَا

نشئوا إلا على التوحيد، قال: والأشقياء غيروا الفطرة إلى ضدها، واستمروا

على ذلك التغيير، ولم تُغن عنهم الآيات والنذر في هذه الدار، فأتاح الله لهم

آيات أخر، وأقضية، وعقوبات فوق التي كانت في الدنيا، يستخرج الخبث

والنجاسة التي لا تزول بغير النار، فإذا زال موجب العقاب وسببه، زال

العذاب، وبقي مقتضى الرحمة، لا معارض له (?)، وأراد بمقتضى الرحمة

الميثاق الذي أخذ عليهم بالإيمان، وهم في عالم الذر (?).

وأقول: لا شك أنه يدخل النار من كفار الجن والشياطين أمم لا

يُحصون، بل ربما يدعى أنهم أكثر من كفار بني آدم، وما ذكره شيخ الإسلام

من عَوْد أهل النار بعد زوال خبيث الكفر إلى الفطرة، والإقرار الذي كان في

عالم الذرّ إن ساعدناه عليه ثم له في من أقر في عالم الذر بالربوبية من بني آدم

لا غير، ودعواه فناء النار، وأن سكانها وأهلها يدخلون الجنة، وهو حكم عام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015