النار وحدها فقد أوجدناكم من قال به من الصحابة، وتفريقهم بين الجنة

والنار، فكيف تقولون: إنه من قول أهل البدع؟ .

وأقول: لأنه يصدق عليه رسم البدع، ففي "القاموس": البدعة بالكسر:

الحدث في الدين بعد الإكمال، أو ما أحدث بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأهواء

والأعمال. انتهى.

والمعلوم أنه لم يقع في ذلك العصر قول بفناء النار، ودخول الكفار

جناات تجري من تحتها الأنهار، ولا أوجدنا شيخ الإسلام مع تبحره في العلوم

وسعة اطلاعه على أقوال السلف والخلف على قول واحد من الصحابة بفناء

النار، ودخول الكفار الجنات، وإن كان كذلك فالقول به بدعة قطعاً (?)، قال:

والدليل السادس - للقائلين بعدم فناء النار -: أن العقل يقضي بخلود

الكفار: ثم قرر وجه الاستدلال بما حاصله أنه مبني على أن المعاد، وإثابة

النفوس المطيعة وعقوبة النفوس العاصية مما يُعلم بالعقل، كما يعلم بالسمع،

قال: كما دل عليه القرآن في غير موضع، كإنكاره تعالى على من زعم أنه

يخلق خلقه عبثاً، وأنهم إليه لا يرجعون، وأنه يتركهم سدى، لا يثيبهم، ولا

يعاقبهم، وأن ذلك يقدح في حكمته، وكماله، وأنه ينسبه إلى ما لا يليق، ثم

قرره تقريراً آخر، وأجاب عنه بقوله:

وأما حكم العقل بتخليد أهل النار فيها فإخبار عن العقل بما ليس عنده،

فإذا المسألة من المسائل التي لا تُعلم إلا بخبر الصادق، ثم إن العقل دل على

المعاد والثواب والعقاب إجمالاً، وأما تفصيلاً فلا يُعلم إلا بالسمع، وقد دل

السمع على دوام ثواب المطيعين، وأما عقاب العصاة فدل دلالة قاطعة على

انقطاعه في حق الموحدين، وأما دوامه وانقطاعه في حق الكفار، فهو من

معترك النزال، فمن كان السمع في جانبه فهو أعلم بالصواب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015