بالمحال من باب قول شعيب: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ

رَبُّنَا} [الأعراف: 89].

إذاً الآية سيقت لبيان أن أهل الجنة لا يذوقون فيها الموت أصلاً، وأنه

أمر محال فعلّق بالمحال لتمام التبشير بنعمة الحياة الأبدية، وآية الخلود

المستثنى منه فيها من أحوال الآخرة، والكون في الجنة، فكيف يقاس ما لم

يَمض يَنْقضِ بما مضى وانقضى، على أنه لا يصح لغة تسمية اللبث في

الدنيا، وفي البرزخ، وفي الموقف خلوداً حتى يخرج من مدة الخلود.

وبعد هذا رأيت فخر الدين الرازي، وقد تعقب هذا في "مفاتيح الغيب"،

فقال بعد نقله لفظَهُ:

وأما حمل الاستثناء على حال عمر الدنيا، والبرزخ، والموقف فبعيد؛

لأن الاستثناء وقع عن الخلود في النار، ومن المعلوم أن الخلود كيفيات من

كيفيات الحصول في النار، فقبل الحصول في النار يمتنع حصول الخلود، هاذا

لم يحصل الخلود لم يحصل المستثنى منه، وإذا لم يحصل المستثنى منه امتنع

حصول الاستثناء. هذا لفظه.

فهذه الوجوه التي ذكرها ابن القيم في الاستثناء على آية الخلود مع ما

تراه من الأبحاث التي أوردناها في المقام، وقد بقي فيه وجه ذَكره جار الله في

"الكَشاف" في آية "هود"، فقال:

إن الاستثناء هو استثناء من الخلود من نعيم الجنة، وذلك أن أهل النار

لا يخلدون في عذاب الناو وحده، بل يعذبون بالزمهرير، وبأنواع من العذاب،

سوى عذاب النار، وبما هو أغلظ منها كلها، وهو سخط الله عليهم، وخسؤه

لهم، وإهانته إياهم، وكدْلك أهل الجنة لهم سوى الجنة ما هو أكثر منها،

وأجلّ موقعاً، وهو رضوان الله، كما قال الله: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ

جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ

مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [التوبة: 72]، ولهم ما يتفضل الله عليهم سوى ثواب الجنة

مما لا يعرف كنهه إلا هو فهو المراد باستثناء. انتهى.

وتعقبه الفخر الرازي في "مفاتيح الغيب"، فقال:

لو كان كذلك لوجب أن لا يحصل العذاب بالزمهرير إلا بعد انقضاء مدة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015