قلت: هذه الإطرفة شيء واحد عائد إلى كونه قبل دخولهم الجنة، ولكن
يُبعده ما مرّ غير مرة، قال: فإن الاستثناء من خلود الداخلين، وحيث كانوا في
عين الجنة لا يفيد ذلك الكون بخالدين فيها، ثم قال:
وعلى كل تقدير فهذا الأمر من المتشابه، وقوله: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}
محكم، وقوله: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} [الرعد: 35]، ولهذا أكد خلود أهل
الجنة في غير موضع من كتابه، وأخبر أنهم لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة
الأُولى، وهذا الاستثناء منقطع، وإذا ضممته إلى الاستثناء من قوله: {إِلَّا مَا
شَاءَ رَبُّكَ} تبيَّن لك المراد من الآيتين، واستثناء الوقت الذي لم يكونوا فيه في
الجنة من مدة الخلود، كاستثناء الموتة الأُولى من جملة الموت، فهذه موتة
تقدمت على حياتهم الأبدية، وكذلك مفارقة الجنة تُقدَّم على خلودهم فيها.
انتهى كلامه.
وأقول: قد أفاد أن الاستثناء من خلود أهل الجنة من المتشابه، وأن
المحكم آية الخلود، فيجب ردّ المتشابه إلى المحكم، فالمحكم هو الخلود،
وهذا حَسَن، وتخصصه بالاستثناء في أهل الجنة بقوله: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}،
ولمّا علم يقين من أنه لا يخرج من الجنة أحد ممن دخلها، وسيأتي لنا أنه
يمكن (?) آخر هذا الوجه في الاستثناء في آية العذاب، وأما ابن القيم، فإنه
فيه (?) ابن تيمية من الاستثناء فيها على حقيقته، وأنه لا خلود في النار لأهلها
من الكفار، كما عرفته من أدلة دعواه، وأما قوله: إن الاستثناء في الآية
كالاستثناء في قوله: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان:
56]، فإنها موتة تقدمت على الحياة الأبدية، وكذلك مفارقة الجنة تُقدَّم على
خلودهم فيها.
فأقول: الفرق بين الآيتين واضح، فإن آية الموتة الأولى وقع المستثنى
منه فيها من أحوال الدنيا الواقعة فيها المعلوم نقضها، ولذا كان أحسن
الأقوال في هذه الآية أعني آية: {إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} أنه من باب التقييد