السموات والأرض، لِمَا تقرر في النحو والأصول أن إخراج المستثنى من
المستثنى منه قبل الحكم عليه بالخبر، إلا أنه يلزم على هذا القول أن تكون
الأقسام أربعة: قوم سُعدوا حُكم لهم بالكون في الجنة خالدين فيها ما دامت
السموات والأرض، وهم الذين استثنى منهم، وقوم سعدوا أيضاً، لكن لم يبيّن
من الآية حُكمهم، وهم الذين أفادهم {إِلَّا مَن شَاءَ اللهُ} [النمل: 87]، وقوم
شَقُوا محكوم عليهم بالكون في النار خالدين ما دامت السموات والأرض،
وقوم شقوا لم يتبيّن حُكمهم كما عرفت.
ومعلوم أن الموجود في الواقع ثلاثة أقسام: موحدون، وملحدون،
وعصاة الموحدين، فيكون المراد من الآية على هذا أن قوماً دخلوا في السعداء
باعتبار أنهم شاركوهم في التوحيد، ولكنهم فارقوهم في الكون في الجنة
خالدين فيها، ودخلوا في الأشقياء باعتبار أنهم قارفوا ما أغضب الله عليهم من
المعاصي، ولكنهم فارقوا بعدم الكون في النار خالدين.
فالقسم الثالث تحته قسمان باعتبار دخولهم تحت (?) ... بالسعادة مع
الذين سعدوا، وبالشقاوة مع الذين شقوا، كما عرفت، فكانت الأربعة ثلاثة،
وتكون الآية قد بُيِّن فيها حُكم الفريقين من الموحدين والملحدين، ولم يبيّن
حكم الفريق الثالث منها، وقد بيّنه الله في قوله: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}
[النساء: 48 و 116]، فمآل المعنى في الآية: فأما الذين سعدوا سعادة خالصة
ففي الجنة خالدين فيها، وأما الذين شقوا شقاوة خالصة ففي النار خالدين
فيها، وأما الذين أخرجوا من الفريقين، فباقون تحت مشيئة الله تعالى.
وهذا الوجه بعد التقوير، لا يخفى حُسنه.
ثم ذكر أقوالاً راجعة إلى ما سلف، ثم قال:
وهذه الأقوال متقاربة، قال: ويمكن الجمع بينها بأن يقال: أخبر الله عن
خلودهم في الجنة كل وقت إلا وقتاً شاء الله ألا يكونوا فيها، وذلك يتناول
وقت كونهم في الدنيا، وفي البرزخ، وفي موقف القيامة على الصراط، وكون
بعضهم في النار.