وسمواتها قد ذهبت، ولو أريد لقيل: ما كانت السموات والأرض، ثم قال ابن
القيم:
وقالت فرقة أخرى: هذا الاستثناء إنما هو مدة احتباسهم عن الجنة، ما
بين الموت والبعث، وهو البرزخ إلى أن يصيروا إلى الجنة، ثم خلود الأبد،
فلم يغيبوا عن الجنة إلا بقدر إقامتهم في البرزخ.
وأقول: فيه ما سلف في الوجه الأول، وهو أن الاستثناء إنما هو بعد
دخولهم الجنة، ثم قال ابن القيم:
وقالت فرقة أخرى: العزيمة قد وقعت لهم من الله بالخلود الدائم، إلا أن
يشاء الله خلاف ذلك، إعلام لهم بأنهمِ مع خلودهم في مشيئته، وهذا كما قال
تعالى لنبيّه - صلى الله عليه وسلم -: {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الإسراء: 86]، ونظائره
يخبر عباده أن الأمور كلها بمشيئته، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
وأقول: إن كان تقيداً على حقيقة لزم بقاء الخوف في دار النعيم، والله
يقول: {يَاعِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68)} [الزخرف: 68]،
ويقول: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46)} [الحجر: 46]، والإجماع قائم على أن الجنة
لا خوف فيها، ثم يلزم أن يبقى لأهل النار طمع في الخروج منها، ورَوح
بذلك، وليس لهم روح، ولا فرج، وإن أُريد الإخبار بأنه لو شاء تعالى عدم
خلود الفريقين لكان له في ذلك حكمة، وأن المراد من الاستثناء الإعلام للعباد
باتساع نطاق حكمه، فهذا قد يقال: إنه وجه وجيه.
ثم ذكر ابن القيم وجهاً قاله لابن قتيبة كالوجه الذي نقله عن الفراء، ولم
ينقله لأنه هو، وإنما اختلفت العبارة، ثم قال:
وقالت طائفة: "ما" بمعنى "من" من قِبَل قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ
مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] المعنى: إلا من شاء ربك أن يدخله النار بذنوبه من
السعداء، والفرق بين هذا القول، وأول الأقوال أن الاستثناء على ذلك من
المدة، وعلى هذا القول من الأعيان.
وأقول: هذا القول يفتقر إلى تقرير، يتضح معه مراد قائله، وتقريره: أن
الاستثناء من الذين سُعدوا قبل الحكم عليهم بقوله: {فَفِي الْجَنَّةِ}، فيكون
المعنى: وأما الذين سُعدوا إلا من شاء الله ففي الجنة خالدين فيها ما دامت