فإن معناه: الحكم بخلودهم فيها المدة التي يشاء ربك فيها، فهذا يدل على أن

المشيئة قد حصلت جزماً، فكيف يحسن قياس هذا الكلام على ذلك؟ انتهى.

ولا يخفى أن المشار المفروض واقع على هيأة القطع والجزم، كما هو

صريح كلام ابن القيم، وصاحب "الكشاف"، فقول الرازي: وهذا لا يدل على

أن هذه الرؤية قد حصلت أم لا، خلاف المفروض، وقوله: فهذا يدل على أن

المشيئة إلخ إن أراد مشيئة الخلود فهو مراد صاحب هذا القول، كما يُشعر به

المثال، وينطبق، ويتعلق عليه، وإن أراد مشيئة عدم الخلود، كما هو مقتضى

كلامه، فمحل النزاع، ولا يتم تضعيف كلام الخصم بإيراده، كما لا يخفى.

ثم قال ابن القيم:

وقالت طائفة أخرى: العرب إذا استثنت شيئاً كثيراً مع مثله، ومع ما هو

أكثر منه، كان معنى "إلا" في ذلك، ومعنى الواو سواءً، والمعنى على هذا:

سوى ما شاء الله من الزيادة على مدة السموات والأرض، وهذا قول الفراء،

وسيبويه، يجعل "إلا" بمعنى "لكن"، قالوا:

ونظير ذلك أن تقول: لي عليك ألف، إلا الألفين اللذين قبلهما؛ أي:

سوى الألفين، قال ابن جرير: هذا أحد (?) الوجهين إليّ؛ لأن الله لا خُلف

لوعده, وقد وصل الاستثناء بقوله: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: 108]، وقالوا:

نظيره أن تقول: أُسكنك داري حولاً إلا ما شئت، أي: سوى ما شئت، أو

لكن ما شئت من الزيادة عليه.

وأقول: هذا مبني على أنه أريد بالسموات والأرض: سموات الدنيا

وأرضها؛ أي: مقدار بقاء دار الدنيا، فإنه لو أراد سماء الأخرى وأرضها لَمَا

تم أن يقال: إلا ما شاء الله من الزيادة على مدتهما، فإنهما أبديتان، لا يتصور

عليهما زيادة، والظاهر أنه أريد من السموات والأرض سموات الآخرة

وأرضها، لأن آيات التأبيد في الفريقين قاضية بأبدية أرضها وسمواتها؛ إذ لا بد

لهم من شيء يقلّهما، وشيء فوقهما، وهو المراد من سموات الآخرة وأرضها،

ولأن قوله: {مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} ظاهر في ذلك، إذ إن أرض الدنيا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015