أجل، كلما مضى حقب دخل في الآخر، وبهذا تعرف رواية ودراية ضَعف

استدلال شيخ الإسلام على فناء النار وانقطاعها بمفهوم الأحقاب.

ثم استدل ابن تيمية على فناء النار وذهابها بقوله تعالى في "سورة

الأنعام": {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}

[128]، وبقوله تعالى في "سورة هود": {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ

إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)} [هود: 107]، وقرر كون آية "الأنعام" في

المشركين بقوله تعالى في صدرها: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ

أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ}. قال: فإن أولياء الجن من الإنس يدخل فيه الكفار قطعاً،

يريد أنه لا يقال: الآية في عصاة الموحدين فقط، ثم أبان أن الاستثناء عائد

إلى الفريقين: الكفار وعصاة الموحدين، والكفار بفناء النار، والعصاة بالخروج

منها، وقرر هذا التقرير في آية الاستثناء في [سورة هود] (?).

وأقول: قد اختلف العلماء من الصحابة، ومن بعدهم من أئمة الرواية،

والدارية، في هذا الاستثناء، ولنذكر ما وقفنا عليه من ذلك، وقد ألمَّ به ابن

القيم في هذا الكتاب؛ أعني: "حادي الأرواح"، وألمَّ به شيخه شيخ الإسلام

في كلامه في هذه المسألة، وفاتَهما بعض ما قيل في الآية، قال ابن القيم في

"الباب السابع والستين":

"واختلف السلف في هذا الاستثناء، فقال معمر عن الضحاك: هو في

الذين يخرجون من النار، فيدخلون الجنة، فقوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ

السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} إلا مدة مكثهم في النار".

قلت: يضعف هذا أن الاستثناء من الخلود يقتضي أن يكون بعد الدخول

لا قبله، سيما بعد قوله: {فَفِي النَّارِ}، وقد أشار إلى تضعيف هذا الوجه بما

قاله ابن تيمية في غضون أبحاثه في هذه المسألة.

قال ابن القيم: "وقالت فرقة: هو استثناء استثناه الله تعالى، ولا يفعله، كما

تقول: والله لأضربنك، إلا أن أرى غير ذلك، وأنت لا تراه، بل تجزم بضربه".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015