فأفاد مفهوم (الأحقاب) أنه لا خلود فيها إذ الأبديّ لا يقدر بزمان، وأما
دلالتها على أن المخبَر عنهم باللبث {أَحْقَابًا} هم الكفار، فلقوله فيهم: {إِنَّهُمْ
كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28)}، وهذه صفات الكفار.
وهذا تقرير مراد شيخ الإسلام.
والعجب من استدلاله بصدر الآية، وذهوله عما عقّب به من قوله: {فَلَنْ
نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30)} [النبأ: 30]، فإن المراد: لن نزيدكم بعد لبثكم أحقاباً إلا عذاباً
ضرورة أنهم معذَّبون حين لُبثهم، {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا
وَغَسَّاقًا (25)} [النبأ: 24، 25]، فزيادة العذاب بعد الأحقاب، بل خصَّ تعالى
الزيادة على العذاب، وأنه تعالى لا يزيدهم بعد لُبث الأحقاب إلا عذاباً،
فانتفى مفهوم العذاب الذي أفاده الجمع الذي جعله ابن تيمية دليلاً على فناء
النار، وعدم أبديتها، مع أنه استدلال بمفهوم العدد، وهو من أضعف المفاهيم
على هذه المسألة المعظَّمة الذي لا يعتمِد عليه محقق، وكيف يُجعل أقوى من
التأييد المصرح به في عدة آيات، من آيات وعيد أهل النار؟ فلو عارض مفهوم
العدد منطوق التأبيد، لكان الحكم للمنطوق اتفاقاً.
هذا: وذكر البغوي أنه قال مقاتل بن حيان: هذه الآية منسوخة، يريد:
{لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23)} نَسَختها {فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30)} [النبأ: 30]؛ يعني: أن
العدد قد ارتفع والخلود قد حصل هذا لفظه، ومراده بالنسخ: أن لا حكم
لمفهوم العدد، وإلا فإنه لا يجري النسخ المصطلح عليه في الأخبار.
وقال الحسن: "ليس للأحقاب عدة إلا الخلود"، وذكره عنه البغويّ (?).
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، عن
قتادة، قال: "الأحقاب" ما لا انقطاع له، كلما مضى حقب جاء بعده حقب.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن: {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23)} قال: ليس فيها