وهو صحيح، وفيه إقرار منه على أنه لا دلالة فيه على فناء النار، كما
ساقه دليلاً لذلك. على أنا نقول: الحديث ليس نصّاً في الإخراج، بل إخبار
مقيد بقضية شرطية، وهو إن شاء الله أن يَخرج أُخرج، وليس فيه أنه تعالى شاء
ذللث، ، بل هو مثل: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة: 13].
وسيأتي تحقيق ذلك في الكلام على آية المشيئة إن شاء الله تعالى.
إذا عرفت هذا كله فهؤلاء الستة من الصحابة الذين زعم أنه نقل عنهم
القول بفناء النار؛ أي: وبدخول أهلها بعد ذلك: {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ} [التحريم: 8]. وهم الذين أشار إليهم السيد الإمام محمد بن إبراهيم في
"الإيثار" حيث قال [من الطويل]:
وَطَوَّلَ فِي الثَّانِي ابْنُ تَيْمِيَّةَ فَقِفِ ... عَلَى عَلْمِهِ فِي كُتْبِهِ وَالتَّرَاجِمِ
وَأَسْنَدَهُ عَنْ ستَّةٍ نَصَّ قَوْلِهِمْ ... أَكَابِرَ مِنْ صَحْبِ النَّبِيَّ الأَكَارِمِ
وأراد بالثاني حَمْل الاستثناء في وعيد أهل النار على فنائها، وانقطاع
عذابها، هذا بيان مراده.
ولكنك إذا تحققت ما أسلفناه عرفت أنه لم يتم لابن تيمية ما نسبه إلى
الستة المذكورين من القول بفناء النار، وأنه ليس بنصّ قولهم، كما قال السيد
محمد، ولعله يريد نصّ لفظهم, وإن لم يدل على مدعى ابن تيمية، أو أنه نص
عنده فيما ادّعاه، وإن كان غير صحيح، ويرشد إلى أنه أراد ذلك قوله بعد ذلك
البيت:
فَلَا تَعْتَقِدْ إِنْ لَمْ يَصحَّ مَقَالَهُمْ ... وَبَانَ ضَعِيفاً سَاقِطاً كُفْرَ عَالِمِ
ثم قال ابن تيمية مستدلّاً لفناء النار وانقطاعها: إنه قال الله تعالى:
{لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23)} إلى قوله: {إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا
كِذَّابًا (28)} [النبأ: 23 - 28].
وقال: "هذا صريح في وعيد الكفار المكذبين بآياته، ولا يقدَّر الأبدي
بمدة الأحقاب" (1).