ثم استدلّ شيخ الإسلام ابن تيمية على مدعاه بما أخرجه ابن مردويه في
"تفسيره" من حديث جابر قال: قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ}
الآية [هود: 106]، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن شاء الله أن يخرج أناساً من الذين
شقوا من النار فيدخلهم الجنة فَعَل" (?).
وأقول: لا دليل فيه على مدعاه، وهو فناء النار وذهابها، بل فيه دليل على
خلافه؛ لأنه لا ينكر الإخراج من النار، ولا يقوله ابن تيمية في حق الكفار،
فتعيّن أنه في عصاة الموحدين، وقد سمعت مما نقلناه عن ابن عباس أن الله سمى
عصاة الموحدين أشقياء، وقد صرح ابن تيمية بهذا هنا، فقال بعد سرده للحديث:
"إنما يدل على إخراج بعضهم من النار، وهو حقّ بلا ريب، وهو بناء
على انقطاعها وفناء عذابها، وأكلها لمن فيها، وأنهم يعذَّبون فيها دائماً ما
دامت كذلك، والحديث دل على أمرين: أحدهما أن بعض الأشقياء إن شاء الله
أن يخرجهم من النار، وهي نار فعل، فيكون معنى الاستثناء: {إِلَّا مَا شَاءَ
رَبُّكَ} من الأشقياء، فإنهم لا يخلدون فيها، ويكون الأشقياء نوعين: نوعاً
يخرجون منها، ونوعاً يخلدون فيها، فيكونون من الذين شقوا أولاً، ثم يصيرون
من الذين سُعدوا، فيجتمع لهم السعادة والشقاوة في وقتين". انتهى (?).