أنه نُقل عنهم القول بفناء النار، وذهابها، وتلاشيها، هم بريئون من هذا القول،
ومن نِسبته فناءَ النار إليهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب، واستَدَلّ لهم بما
ادعاه منسوباً إليهم بما لا مساس له بالدعوى، كما عرفت.
وحينئذ يُعلم أنه ليس معه في دعواه فناء النار أحد من الصحابة الذين
عيَّنهم، وإن كانت عنده أدلة يصح نسبة هذا القول إليهم غير ما ذكره من
الآيات، فهذا وقتها، فإنه قد بذل كل وسعه في هذه المسألة، فقال شيخ
الإسلام بعد سرده للأربعة المذكورين من الصحابة:
والقول بفناء النار نُقل عن غير هؤلاء الأربعة من الصحابة، ويريد
بغيرهم: عبد الله بن عمرو بن العاص، فإنه نقل ابن تيمية عنه القول بفناء
النار، مستدلّاً على أصل مدعاه أنه قال: "ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه
أبوابها، ليس فيها أحد، وذلك بعدما يلبثون فيها أحقابا" (?).
وأقول: هذا الأثر لا دلالة فيه على مدعى ابن تيمية؛ لأنه لا يقول: إن
جهنم تخلو عن الكفار ما دامت باقية، إنما يقول: إذا فنيت، وذهبت، لم يبق
فيها كافر، وهذا الأثر ينادي بخلودها، وهي باقية على حالها، والقول بأنه
سمّاها جهنم باعتبار ما كانت عليه رجوع إلى المجاز في مسألة هي أكثر من
الدنيا بأضعاف مضاعفة، فكلام ابن عمرو هذا محمول على ما حُمل عليه كلام
عمر بن الخطاب وغيره من الآثار، في أن مراده خروج الموحدين، وقد قال
عبيد الله (?) بن معاذ في أثر ابن عمرو وأبي هريرة: كان أصحابنا يقولون:
يعني: من الموحدين.
قلت: ويدل له ما قال الحافظ ابن حجر في "تخريج أحاديث الكشاف":
إن أثر ابن عمرو أخرجه البزار، ثم ساقه بسنده إلى ابن عمرو، ولفظه في