وثانياً: وهو على تقدير ثبوته عنه، فإنه لا دلالة فيه على مدّعاه، وهو فناء
النار، ولا رائحة دلالة، بل غاية ما فيه أن كل وعيد في القرآن ذُكر فيه الخلود
لأهل النار، فإن آية الاستثناء حاكمة عليه، وهي عبارة مجملة، لا تدل على
المدعى بنوع من الدلالات الثلاث (?).
بل يَحْتَمِل أنه أراد أنها فسرت بآيات الخلود التي وردت في القرآن في
خلود أهل النار، كما أخرجه البيهقيّ في "البعث والنشور" عن ابن عباس في
قوله تعالى: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود: 107]. قال: فقد شاء ربك أن يخلد
هؤلاء في النار، وهؤلاء في الجنة. انتهى.
فنقول: من قال من الصحابة: هذه الآية أتت على القرآن كله حيث كان
في القرآن: {خَالِدِينَ فِيهَا} تفسير [5 في رواية] ابن عباس هذه، ثم هب أن
معناه ما قاله ابن تيمية، وأن آية {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} قيّدت كل آية فيها
{خَالِدِينَ فِيهَا} إلا ما شاء ربك، إن ربك فعال لما يريد فغاية ذلك (?) أن
تصير كل آية خلود مثل آية (هود)، وآية (هود) لا تدل على مدّعاه كما ستعرفه
قريباً من تحقيق آية المشيئة، وما قيل فيها من الأقوال الصحيحة والسقيمة
والمطّرحة والقويمة.
وإذا عرفت هذا فيالله العجب كيف يَنسب شيخ الإسلام إلى أبي سعيد
القول بفناء النار بلفقالم يتحقق صدوره عنه؟ ولو تحقق صدوره عنه لم يدل
على مدعاه، فما هذا إلا مجازفة، ولا يليق ممن دون ابن تيمية تحقيقاً وورعاً
في نسبة الأقوال، وتحرير الاستدلال.
هذا وبعد تحقيقك لِمَا أسلفناه, وإحاطتك علماً بما سقناه، تعلم أن
هؤلاء الأربعة من الصحابة الذين هم: عمر، وابن مسعود، وأبو هريرة، وأبو
سعيد، الذين عيَّن شيخ الإسلام أسماءهم من الصحابة في صدر المسألة، وذكر