يقول: دع ما أطلعتم عليه، فإنه سهل في جنب ما ادُّخِر لهم، قلت (?): وهذا

لائق بشرح "بله" بغير تقدم "مِنْ" عليها، وأما إذا تقدمت "من" عليها، فقد قيل:

هي بمعنى: كيف، ويقال: بمعنى: أجل، ويقال: بمعنى: غير، أو سوى،

وقيل: بمعنى: فضل، لكن قال الصغانيّ: اتفقت نُسخ الصحيح على "من بله"،

والصواب إسقاط كلمة "من".

وتُعُقّب بأنه لا يتعين إسقاطها إلا إذا فُسّرت بمعنى: دع، وأما إذا فسرت

بمعنى: من أجل، أو من غير، أو سوى، فلا، وقد ثبت في عدة مصنفات

خارج الصحيح بإثبات "من"، وأخرجه سعيد بن منصور، ومن طريقه ابن

مردويه من رواية أبي معاوية، عن الأعمش كذلك.

وقال ابن مالك: المعروف "بله" اسم فعل، بمعنى: اترك، ناصبًا لِمَا

يليها، بمقتضى المفعولية، واستعماله مصدرًا بمعنى الترك، مضافًا إلى ما يليه،

والفتحة في الأُولى بنائية، وفي الثانية إعرابية، وهو مصدر مهمل الفعل، ممنوع

الصرف.

وقال الأخفش: "بله" هنا مصدر، كما تقول: ضَرْبَ زيدٍ، وندر دخول

"من" عليها زائدةً.

ووقع في "المغني" لابن هشام أن "بله" استُعملت معربةً مجرورة بـ"من"،

وإنها بمعنى: غير، ولم يذكر سواه، وفيه نظر؛ لأن ابن التين حكى رواية "من

بله" بفتح الهاء، مع وجود "من"، فعلى هذا فهي مبنية، و"ما" مصدرية، وهي

وَصِلتها في موضع رفع على الابتداء، والخبرُ هو الجار والمجرور المتقدم،

ويكون المراد ببله: "كيف" التي يقصد بها الاستبعاد، والمعنى: من أين اطلاعكم

على هذا القدر الذي تقصر عقول البشر عن الإحاطة به، ودخول "من" على "بله"

إذا كانت بهذا المعنى جائز، كما أشار إليه الشريف في "شرح الحاجبية".

قال الحافظ رحمه اللهُ: وأصح التوجيهات لخصوص سياق حديث الباب حيث

وقع فيه: "ولا خطر على قلب بشر ذُخرًا من بله ما أطلعتم" أنها بمعنى:

"غير"، وذلك بَيِّنٌ لمن تأمله. انتهى (?)، وهو بحثٌ نفيسٌ، والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015