يَأُمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ") قال النوويّ: "فأسلم" برفع الميم، وفتحها، وهما روايتان
مشهورتان، فمن رفع قال: معناه أسلمُ أنا من شرّه، وفتنته، ومن فتح قال: إن
القم ين أسلمَ، من الإسلام، وصار مؤمنًا، لا يأمرني إلا بخير، واختلفوا في
الأرجح منهما، فقال الخطابيّ: الصحيح المختار الرفع، ورجح القاضي عياض
الفتح، وهو المختار؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "فلا يأمرني إلا بخير"، واختلفوا على رواية
الفتح، قيل: أسلم بمعنى استسلم، وانقاد، وقد جاء هكذا في غير "صحيح
مسلم": "فاستسلم"، وقيل: معناه: صار مسلمًا مؤمنًا، وهذا هو الظاهر. انتهى
كلام النوويّ رحمه الله (?).
وقال أبو البقاء في "إعرابه": يُروى بالفتح؛ لأنه فعل ماض، قال: فأسلمَ
شيطاني؛ أي: انقاد لأمر الله تعالى، وبالرفع؛ أي: فأنا أسلمُ منه، وهو فعلٌ
مستقبل يحكى به الحال. قاله السيوطيّ (?).
وقال الكلاباذيّ رحمه الله: واختُلف في معنى قوله: "أسلم" فقيل: استسلم،
وقيل: أسلمُ أنا منه، وقيل: صار مسلمًا، فإن كان استسلم، فهذا غاية حسن
المعاملة، حتى انقاد له العدوّ، واستسلم، وإن سَلِم -صلى الله عليه وسلم- منه، فبحسن معاملته
بعد عصمة ربه عز وجل، فسَلِم منه؛ لأنه غاية الرفق والتوقي، وإن أسلم، ودخل
في الإسلام، فلا يستنكر إسلام قرين من بين الجميع، كما لم يستنكر كفر
واحد من بين جميع الملائكة، وهو إبليس لعنه الله مع قوله عز وجل: {لَا يَعْصُونَ
اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]، وعصيان اثنين هاروت وماروت،
ويكَون الواحد مستثنى من بين الجميع، وإن لم يُعلم وجه الاستثناء، فهذا من
حسن المعاملة منه إياه أن أسلم الشيطان. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ومال إلى ترجيح النصب ابن خزيمة،
واستدلّ بقوله: "فلا يأمرني إلا بخير"، قال: ولو كان على الكفر لم يأمر
بخير، وكذا رجّح هذا ابن حبّان (?)، فقال: في هذا الخبر دليل على أن شيطان