العرش: الرفع، ومنه قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ} [الأنعام: 141]؛ أي: منها ما هو مرفوع على ساق، وهي الشجر،
ومنها ما ليس كذلك، وهو النجم (?).
والصحيح حَمْله على ظاهره، وأنه يضع عرشه على البحر حقيقةً، ويكون
من جملة تمرّده وطغيانه وَضْع عرشه على الماء؛ يعني: جعله الله تعالى قادرًا
عليه؛ استدراجًا ليغتر بأن له عرشًا على هيئة عرش الرحمن، كما قال تعالى:
{وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7] ويَغُرّ بعض السالكين الجاهلين بالله أنه
الرحمن، كما وقع لبعض الصوفية، ويؤيده قصة ابن صياد حيث قال
لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أرى عرشًا على الماء، فقال له -صلى الله عليه وسلم-: "ترى عرش إبليس على
البحر"، وقيل: عَبّر عن استيلائه على الخلق، وتسلّطه على إضلالهم بهذه
العبارة، ذكره القاري (?).
قال الجامع عفا الله عنه: هذا القول الأخير ليس بشيء، والصحيح أنه
على ظاهره، فيضع عرشه على البحر حقيقةً، كما مرّ آنفًا، فتنبّه، والله تعالى
أعلم.
(فَيَبْعَثُ)، أي: يُرسل إبليس (سَرَايَاهُ) بالفتح: جمع سريّة؛ كعطيّة
وعطايا، وهي قطعة من الجيش، تُوَجَّه نحو العدوّ؛ لتنال منه، وفي "النهاية":
هي طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة، تُبعَث إلى العدوّ، وسُمّوا بذلك؛
لأنهم يكونون خلاصة العسكر، وخيارهم، من الشيء السّريّ، وهو النفيس،
وقيل: لأنهم يُبعَثون سِرًّا، ورُدّ بأن لامه راء، ولامها ياء. انتهى (?).
(فَيَفْتِنُونَ النَّاسَ) بفتح حرف المضارعة، وكسر التاء؛ أي: يضلّونهم، أو
يمتحنونهم بتزيين المعاصي إليهم، حتى يقعوا فيها. (فَأَعْظَمُهُمْ) وفي رواية:
"فأدناهم" (عِنْدَهُ)؛ أي: أعلاهم عند إبليس رُتبةً، وأقربهم منزلةً (أَعْظَمُهُمْ
فِتْنَةً")، أي: أكبرهم إضلالًا، أو أشدهم ابتلاء، والله تعالى أعلم.