ئم أجاب سبحانه عن قول هذا الكافر بما يدفعه ويبطله، فقال: {أَطَّلَعَ}
على {الْغَيْبَ}؛ أي: أَعَلِم ما غاب عنه، حتى يعلم أنه في الجنة، {أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} بذلك، فإنه لا يتوصل إلى العلم إلا بإحدى هاتين
الطريقتين، وقيل: المعنى: أَنَظَر في اللوح المحفوظ؟ أم اتخذ عند الرحمن
عهداً؟ وقيل: معنى {أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}: أم قال: لا إله إلا الله،
فأرحمه بها. وقيل: المعنى: أم قدّم عملاً صالحاً فهو يرجوه، و"اطلع" مأخوذ
من قولهم: اطلع الجبلَ: إذا ارتقى إلى أعلاه. وقرأ حمزة، والكسائيّ،
ويحيى بن وثاب، والأعمش: "ووُلدا" بضم الواو، والباقون بفتحها، فقيل:
هما لغتان، معناهما واحد، يقال: وَلَدٌ، ووُلْدٌ، كما يقال: عَدَمٌ، وعُدْمٌ، قال
الحارث بن حلزّة [من مجزوء الكامل]:
وَلَقَدْ رَأَيْتُ مَعَاشِراً ... قَدْ ثَمَّرُوا مَالاً وَوُلْدَا
وقال آخر [من الطويل]:
فَلَيْتَ فُلَاناً كَانَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ ... وَلَيتَ فَلَاناً كَانَ وُلْدَ حِمَارِ
وقيل: الولد بالضم للجمع، وبالفتح للواحد. {كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ}:
"كلا" حرف ردع وزجر، أي: ليس الأمر على ما قال هذا الكافر، من أنه يؤتى
المال والولد، سنكتب ما يقول، أي: سنحفظ عليه ما يقوله، فنجازي به في
الآخرة، أو سنُظهر ما يقول، أو سننتقم منه انتقام من كُتبت معصيته، {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا}؛ أي: نزيده عذاباً فوق عذابه مكان ما يدّعيه لنفسه من الإمداد
بالمال والولد، أو نطوّل له من العذاب، {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ}؛ أي: نُميته، فنرثه
المال والولد الذي يقول إنه يؤتاه. والمعنى: مسمى ما يقول ومصداقه. وقيل:
المعنى: نحرمه ما تمناه ونعطيه غيره. {وَيَأْتِينَا فَرْدًا}؛ أي: يوم القيامة لا مال
له ولا ولد، بل نسلبه ذلك، فكيف يطمع في أن نؤتيه؟ وقيل: المراد بما
يقول: نفس القول لا مسماه، والمعنى: إنما يقول هذا القول ما دام حياً، فإذا
أمتناه حُلنا بينه وبين ما يقوله، ويأتينا رافضاً له، منفرداً عنه، والأوّل أَولى.
انتهى (?)، والله تعالى أعلم.