وأجاب بأنه خاطب العاص بما يعتقده، فعلّق على ما يستحيل بزعمه،
والتقرير الأول يغني عن هذا الجواب. انتهى (?).
وقال في "العمدة": فإن قلت: مَن عَيَّن للكفر أجلاً فهو كافر الآن
إجماعاً، فكيف يصدر هذا عن خباب، ودينه أصحّ، وعقيدته أثبت، وإيمانه
أقوى وآكد؟ .
قلت: لم يُرِد به خباب هذا، وإنما أراد: لا تعطيني حتى تموت وتبعث، أو
أنك لا تعطيني ذلك في الدنيا فهنالك يؤخذ قسراً منك، وقال أبو الفرج: لمّا كان
اعتقاد هذا المخاطَب أنه لا يُبعث خاطبه على اعتقاده، فكأنه قال: لا أكفر أبداً،
وقيل: أراد خباب أنه إذا بُعث لا يبقى كفر؛ لأن الدار دار الآخرة. انتهى (?).
(قَالَ) العاص: (وَإِنِّي) بتقدير همزة الاستفهام الإنكاريّ؛ أي: أوَ إني
(لَمَبْعُوثٌ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ؟ ) فقال له خبّاب: نعم، فقال العاص استهزاء: (فَسَوْفَ
أَقْضِيكَ إِذَا رَجَعْتُ إِلَى مَالٍ وَوَلَدٍ)، وفي رواية الترمذيّ: "فقلت: لا حتى
تموت، ثم تبعث"، قال: وإني لميت، ثمِ مبعوث؟ فقلت: نعم، فقال: إن لي
هنالك مالاً وولداً، فأقضيك، فنزلت: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ} [مريم: 77].
وقوله: (قَالَ وَكِيعٌ) هو ابن الجرّاح، (كَذَا قَالَ الأَعْمَشُ، قَالَ) خبّاب:
(فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ) هي قوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77)} [مريم: 77]-إلى قوله-: {وَيَأْتِينَا فَرْدًا}.
قال في "فتح القدير": {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا}؛ أي: أخبرني بقصة
هذا الكافر، واذكر حديثه عقب حديث أولئك، وإنما استعملوا "أرأيت" بمعنى
أخبر؛ لأن رؤية الشيء من أسباب صحة الخبر عنه، والآيات تعمّ كل آية،
ومن جُملتها آية البعث، والفاء للعطف على مقدّر يدل عليه المقام؛ أي:
أَنَظَرت، فرأيت.
واللام في {لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} هي الموطئة للقسم، كأنه قال: والله
لأوتينّ في الآخرة مالاً وولداً؛ أي: انظر إلى حال هذا الكافر، وتعجَّب من
كلامه، وتألّيه على الله مع كُفره به، وتكذيبه بآياته.