قال الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهذه طرق، وإن كانت مراسيل، فإن بعضها يعضد

بعض].

ودلِّ ذلك على أنَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أطال في حال الصلاة عليه، من الاستغفار له،

وقد ورد ما يدلّ على ذلك، فذكر الواقديّ، أن مُجَمّعَ بن جارية، قال: ما

رأبت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أطال على جنازة قطّ ما أطال على جنازة عبد الله بن أُبيّ

من الوقوف.

وروى الطبريِّ من طريق مغيرة، عن الشعبيّ، قال: قال النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"قال الله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ}، فأنا أستغفر لهم سبعين،

وسبعين، وسبعين" (?).

(قَالَ) عمر - رضي الله عنه -: (إِنَّهُ مُنَافِقٌ)، أي: إن عبد الله بن أُبيّ رجل منافق لا

يستحقّ الاستغفار له، (فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)؛ أي: صلى النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على

عبد الله بن أُبيِّ، مخالفًا لعمر - رضي الله عنه -.

وإنما لَمْ يأخذ النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقول عمر - رضي الله عنه -، وصلّى عليه، إجراء له على

ظاهر حكم الإسلام، واستصحابًا لظاهر الحكم، ولمَا فيه من إكرام ولده الذي

تحقَّقت صلاحيته، ومصلحة الاستئلاف لقومه، ودفع المفسدة، وكان النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

في أول الأمر يصبر على أذى المشركين، ويعفو، ويصفح، ثم أُمر بقتال

المشركين، فاستمرّ صَفْحه، وعفوه عمن يظهر الإسلام، ولو كان باطنه على

خلاف، ذلك، لمصلحة الاستئلاف، وعدم التنفير عنه، ولذلك قال: "لا يتحدِّث

الناس أن محمدًا يقتل أصحابه"، فلما حصل الفتح، ودخل المشركون في

الإسلام، وقلّ أهل الكفر، وذَلُّوا، أُمر بمجاهرة المنافقين، وحَمْلهم على حكم

مُرّ الحقّ، ولا سيما، وقد كان ذلك قبل نزول النهي الصريح عن الصلاة على

المنافقين، وغير ذلك، مما أُمر فيه بمجاهرتهم.

قال الحافظ: وبهذا يندفع الإشكال عما وقع في هذه القصّة - بحمد الله

تعالى -.

وقال الخطابيِّ - رَحِمَهُ اللهُ -: إنما فعل النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع عبد الله بن أبيِّ ما فعل؛

طور بواسطة نورين ميديا © 2015