النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومشورةً، لا إلزامًا، وله عوائد بذلك، ولا يبعد أن يكون النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
كان أذن له في مثل ذلك، فلا يستلزم ما وقع من عمر أنه اجتهد مع وجود
النصّ، كما تمسّك به قوم في جواز ذلك، وإنما أشار بالذي ظهر له فقط،
ولهذا احْتَمَل منه النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخْذه بثوبه، ومخاطبته له في مثل ذلك المقام، حتى
التفت إليه، متبسمًا، كما في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - بذلك. انتهى (?).
(فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللهُ) وفي رواية: "أنا بين خِيرتين" بكسر
الخاء، وفتح الياء، أو سكونها؛ أي: بين اختيارين، قال الفيّوميّ - رَحِمَهُ اللهُ -:
"الْخِيرةُ": اسم من الاختيار، مثلُ الفِدْيَة، من الافتداء، والْخِيَرَة - بفتح الياء -
بمعنى الخِيَار، والْخِيَار هو الاختيار، ومنه يقال: له خيار الرؤية، ويقال: هي اسمِّ
من تخيّرت الشيءَ، مثلُ الطِّيَرَة، اسمٌ مِن تَطَيَّر، وقيل: هما لغتان بمعنى واحد،
ويؤيّده قول الأصمعيّ: الْخِيَرَةُ بالفتح، والإسكانُ ليس بمختار، وفي التنزيل:
{مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [القصص: 68]. وفي "البارع": خِرْتُ الرجلَ على صاحبه،
أَخِيُرُ، من باب باع، خِيَرًا، وِزانُ عِنَبٍ، وخِيْرَةً، وخِيَرَةً: إذا فضّلته عليه. وخَيَّرتُهُ
بين الشيئين: فوَضتُ إليه الاختيار، فاختار أحدهما، وتَخَيَّره، واستخرت اللهَ:
طلبت منه الْخِيَرَةَ، وهذه خَيْرَتي - بالفتح، والسكون -؛ أي: ما أخذته. انتهى (?).
وقوله: ("إِنَّمَا خَيَّرَنِي الله)؛ أي: إن الله تعالى خيّرني، بين الاستغفار،
وعدمه، فاخترت الاستغفار، (فَقَالَ) الله - عَزَّوَجَلَّ - في تخييره: ({اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً}، وَسَأَزِيدُهُ عَلَى سَبْعِينَ") وفي رواية ابن
عباس، عن عمر: "فتبسم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال: أَخِّرْ عني يا عمر، فلما
أكثرت عليه قال: إني خُيّرت، فاخترت، لو أعلم أني إدط زدت على السبعين
يُغفر له، لزدت عليها".
وعند عبد بن حميد، من طريق قتادة، قال: لما نزلت: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ
لَهُمْ} قال النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قد خيّرني ربي، فوالله لأزيدنّ على السبعين"،
وأخرجه الطبريّ، من طريق مجاهد مثلَهُ، والطبريّ أيضًا، وابن أبي حاتم، من
طريق هشام بن عروة، عن أبيه مثله.