وفَهِم عمر أيضًا من قوله: {سَبْعِينَ مَرَّةً} أنَّها للمبالغة، وأن العدد المعيّن

لا مفهوم له، بل المراد: نفي المغفرة لهم، ولو كثر الاستغفار، فيحصل من

ذلك النهي عن الاستغفار، فأطلقه.

وفَهِم أيضًا أن المقصود من الصلاة على الميت طلب المغفرة للميت،

والشفاعة له، فلذلك استلزم عنده النهيُ عن الاستغفار تركَ الصلاة، فلذلك جاء

عنه في هذه الرواية إطلاق النهي عن الصلاة، ولهذه الأمور استنكر إرادة

الصلاة على عبد الله بن أُبيّ (?).

وقال الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ - في موضع آخر من "الفتح": وقد وقفت لأبي نعيم

الحافظ، صاحب "حِلْية الأولياء" على جزء جمع فيه طرق هذا الحديث، وتكلم

على معانيه، فلخصته: فمن ذلك أنه قال: وقع في رواية أبي أسامة وغيره، عن

عبيد الله الغمَريّ في قول عمر: "أتصلي عليه، وقد نهاك الله عن الصلاة على

المنافقين؟ "، ولم يُبيّن محلّ النهي، فوقع بيانه في رواية أبىِ ضَمْرة، عن

العُمَريّ، وهو أن مراده بالصلاة عليهم: الاستغفار لهم، ولفظه: "وقد نهاك الله

أن تستغفر لهم"، قال: وفي قول ابن عمر: "فصلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وصلّينا

عليه" أن عمر ترك رأي نفسه، وتابع النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ونبّه على أنَّ ابن عمر حمل

هذه القصّة عن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بغير واسطة، بخلاف ابن عباس، فإنه إنما حملها عن

عمر؛ إذ لَمْ يشهدها، إلى آخر ما سيأتي في المسألة الثالثة، عند ذكر فوائد

الحديث - إن شاء الله تعالى -.

قال: هذا تقرير ما صدر عن عمر - رضي الله عنه -، مع ما عُرف من شدة صلابته في

الدين، وكثرة بُغضه للكفّار والمنافقين، وهو القائل في حقّ حاطب بن أبي

بَلْتَعَة، مع ما كان له من الفضل، كشهوده بدرًا، وغير ذلك، لكونه كاتب قريشًا

قبل الفتح: دعني يا رسول الله، أضرب عنقه، فقد نافق، فلذلك أقدم على

كلامه للنبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما قال، ولم يلتفت إلى احتمال إجراء الكلام على ظاهره،

لِمَا غلب عليه من الصلابة المذكورة.

وقال الزين ابن المنيّر - رَحِمَهُ اللهُ -: وإنما قال ذلك عمر - رضي الله عنه - حرصًا على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015