قوله: {لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} [المنافقون: 7]، وإلى

مثل قوله: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} [المنافقون: 8]، قاله في "الفتح" (?).

(فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَتُصَلِّي عَلَيْهِ، وَقَدْ نَهَاكَ اللهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ ) وفي

رواية البخاريّ: "وقد نهاك ربك أن تصلي عليه"، قال في "الفتح": كذا في

هذه الرواية إطلاق النهي عن الصلاة، وقد استُشكل جدًّا، حتى أقدم بعضهم،

فقال: هذا وَهَمٌ من بعض رواته، وعاكسه غيره، فزعم أن عمر اطَّلع على نهي

خاصّ في ذلك، وقال القرطبيّ: لعلّ ذلك وقع في خاطر عمر، فيكون من قبيل

الإلهام، ويَحْتَمِل أن يكون فَهِم ذلك من قوله تعالى:

{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113].

قال الحافظ: قلت: الثاني - يعني: ما قاله القرطبيّ - أقرب من الأول؛

لأنه لَمْ يتقدّم النهي عن الصلاة على المنافقين، بدليل أنه قال في آخر هذا

الحديث: "قال: فأنزل الله: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ} [التوبة: 84]، والذي

يظهر أن في هذه الرواية تجوّزًا، بيّنَتْهُ الرواية الأخرى بلفظ: "فقال: تصلي

عليه، وقد نهاك الله أن تستغفر لهم؟ ".

وروى عبد بن حميد، والطبريّ، من طريق الشعبيّ، عن ابن عمر، عن

عمر: "قال: لمّا أراد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يصلي على عبد الله بن أُبيّ، فأخذتُ

بثوبه، فقلت: والله ما أمر الله بهذا، لقد قال: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}

[التوبة: 80] "، ووقع عند ابن مردويه، من طريق سعيد بن جُبير،

عن ابن عباس: فقال عمر: أتصلي عليه، وقد نهاك الله أن تصلي عليه؟ قال:

"أين؟ " قال: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} الآية.

فكأن عمر - رضي الله عنه - قد فَهِم من الآية المذكورة ما هو الأكثر الأغلب من

لسان العرب، من أن "أو" ليست للتخيير، بل للتسوية في عدم الوصف

المذكور؛ أي: إن الاستغفار لهم، وعدم الاستغفار سواء، وهو كقوله تعالى:

{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [المنافقون: 6]، لكن الثانية

أصرح، ولهذا ورد أنَّها نزلت بعد هذه القصّة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015