مسلم، ولفظ البخاريّ: "أهلُك"، قال في "العمدة": رُوي بالنصب؛ أي: ألزم
أهلك، وروي بالرفع؛ أي: هي أهلك، لا تسمع فيها شيئًا. انتهى (?).
وقال في "الفتح": قوله: "أهلك" بالرفع، فإن في رواية معمر: "هم
أهلك"، ولو لَمْ تقع هذه الرواية لجاز النصب؛ أي: أمسك، ومعناه: هم
أهلك؛ أي: العفيفة اللائقة بك، وَيحْتَمِل أن يكون قال ذلك متبرئًا من
المشورة، ووَكَل الأمر إلى رأي النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم لَمْ يكتف بذلك حتى أخبر بما
عنده، فقال: ولا نعلم إلَّا خيرًا، وإطلاق الأهل على الزوجة شائع، قال ابن
التين: أطلق عليها أهلًا، وذكرها بصيغة الجمع، حيث قال: "هم أهلك" إشارةً
إلى تعميم الأزواج بالوصف المذكور. انتهي، وَيحْتَمِل أن يكون جمع لإرادة
تعظيمها. انتهى (?).
(وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا) لا نعلم في شأن عائشة إلَّا خيرًا كثيرًا من أنَّها عفيفة
ورعة، تقيّة، نقيّة بريئة مما اُلصق بها، زورًا، وبُهتانًا، {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16].
(وَأمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ) - رضي الله عنه - (فَقَالَ) زاد في رواية للبخاريّ: "يا
رسول الله" (لَمْ يُضَيِّقِ اللهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كثِيرٌ) قال في "الفتح": كذا
للجميع بصيغة التذكير، كأنه أراد الجنس، مع أن لفظ فَعيل يشترك فيه المذكر
والمؤنث إفرادًا وجمعًا، وفي رواية الواقديّ: "قد أحلّ لك، وأطاب، طَلِّقها،
وانكِحْ غيرها"، وهذا الكلام الذي قاله عليّ - رضي الله عنه - حَمَله عليه ترجيح جانب
النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا رأى عنده من القلق بسبب القول الذي قيل، وكان - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شديد
الغيرة، فرأى عليّ - رضي الله عنه - أنه إذا فارقها، سَكَن ما عنده من القلق بسببها، إلى أن
يتحقق براءتها، فيمكن رجعتها، ويستفاد منه ارتكاب أخفّ الضررين لذهاب
أشدّهما.
وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ - (?): رأى ذلك هو المصلحة في حقّ النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، واعتقد ذلك
لِمَا رأى من انزعاجه، فبذل جهده في النصيحة لإرادة راحة خاطره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.