وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة (?): لَمْ يجزم عليّ بالإشارة بفراقها؛
لأنه عقب ذلك بقوله: "وسَلِ الجارية تصدقك"، ففوّض الأمر في ذلك إلى نظر
النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكأنه قال: إن أردت تعجيل الراحة ففارقها، وإن أردت، خلاف ذلك
فابحث عن حقيقة الأمر، إلى أن تَطَّلع على براءتها؛ لأنه كان يتحقق أن بريرة
لا تخبره إلَّا بما علمته، وهي لَمْ تعلم من عائشة إلَّا البراءة المحضة.
والعلة في اختصاص عليّ وأسامة - رضي الله عنهما - بالمشاورة أن عليًّا كان عنده
كالولد؛ لأنه ربّاه من حال صغره، ثم لَمْ يفارقه، بل وازداد اتصاله بتزويج
فاطمة - رضي الله عنهما -، فلذلك كان مخصوصًا بالمشاورة فيما يتعلق بأهله، لمزيد اطلاعه
على أحواله أكثر من غيره، وكان أهل مشورته فيما يتعلق بالأمور العامّة أكابر
الله صحابة، كأبي بكر، وعمر، وأما أسامة فهو كعليّ في طول الملازمة، ومزيد
الاختصاص والمحبة، ولذلك كانوا يُطلقون عليه أنه حِبّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،
وخصَّه دون أبيه وأمه، لكونه كان شابًّا كعليّ، وإن كان عليّ أسن منه، وذلك
أن للشاب من صفاء الذهن ما ليس لغيره، ولأنه أكثر جُرأة على الجواب بما
يظهر له من المسنّ؛ لأنَّ المسنّ غالبًا يحسب العاقبة، فربما أخفى ما يظهر له
رعاية للقائل تارةً، والمسؤول عنه أخري، مع ما ورد في بعض الأخبار أنه
استشار غيرهما.
[تنبيه]: قال الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ -: وقع بسبب هذا الكلام من عليّ نسبة عائشة
إياه إلى الإساءة في شأنها، كما تقدم (?) من رواية الزهريّ عن أبي بكر بن
عبد الرَّحمن، وأبي سلمة بن عبد الرَّحمن، عن عائشة في "المغازي"، وما