الحامل لها على ذلك كون عائشة ضرة أختها زينب بنت جحش، وعُرف من
هذا أن الاستثناء في قولها إلَّا أكثرن عليها متصلٌ؛ لأنَّها لَمْ تقصد قصتها
بعينها، بل ذكرت شأن الضرائر، وأما ضرائرها هي، فإنهنّ وإن كنّ لَمْ يصدر
منهم في حقها شيء، مما يصدر من الضرائر، لكن لَمْ يُعدَم ذلك ممن هو منهن
بسبيل، كما وقع من حمنة؛ لأنَّ ورع أختها منعها من القول في عائشة، كما
منع بقيةَ أمهات المؤمنين، وإنما اختصت زينب بالذِّكر؛ لأنَّها التي كانت
تضاهي عائشة في المنزلة. انتهى (?).
(قَالَتْ) عائشة - رضي الله عنها -: (قُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ) استغاثت بالله تعالي، متعجبة من
وقويم مثل ذلك في حقها، مع براءتها المحققة عندها، (وَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا؟ )
الإفك، زاد الطبريّ من طريق معمر، عن الزهريّ: "وبلغ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قالت:
نعم"، وفي رواية هشام: "فقلت: وقد عَلِم به أبي؟ قالت: نعم، قلت:
ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قالت: نعم ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفي رواية ابن إسحاق: "فقلت
لأمي: غفر الله لك، يتحدث الناس بهذا، ولا تذكرين لي"، وفي رواية ابن
حاطب، عن علقمة: "ورجعت إلى أبويّ، فقلت: أما اتقيتما الله فيّ، وما وصلتما
رحمي، يتحدث الناس بهذا، ولم تُعلماني"، وفي رواية هشام بن عروة:
"فاستعبرت، فبكيت، فسمع أبو بكر صوتي، وهو فوق البيت يقرأ، فقال لأمي: ما
شأنها؟ فقالت: بلغها الذي ذُكر من شأنها، ففاضت عيناه، فقال: أقسمت عليك
يا بنية، إلَّا رجعت إلى بيتك، فرجعت"، وفي رواية معمر، عند الطبرانيّ: "فقالت
أمي: لَمْ تكن علمت ما قيل لها، فأكبَّت تبكي ساعة، ثم قال: اسكتي يا بنية".
(قَالَتْ) عائشة: (فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، حَتَّى أَصْبَحْتُ، لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ)
بالقاف، بعدها همزة؛ أي: لا ينقطع، من رقأ الدمع: إذا انقطع، (وَلَا أَكْتَحِلُ
بِنَوْمٍ)؛ أي: لا أنام، وهو استعارة للسهر، ووقع في رواية مسروق، عن أم
رُومان: "فخَرَّتْ مغشيًّا عليها، فما استفاقت إلَّا وعليها حُمَّى بنافض، فطرحتُ
عليها ثيابها، فغطيتها"، وفي رواية الأسود، عن عائشة: "فألقت عليّ أمي كلَّ
ثوب، في البيت".