"اركبي"، واستأخر، وفي رواية أبي أويس: "فاسترجع، وأعظم مكاني -؛ أي:
حين رآني وحدي - وقد كان يعرفني قبل أن يُضرب علينا الحجاب، فسألني عن
أمري، فسترت وجهي عنه بجلبابي، وأخبرته بأمري، فقرَّب بعيره، فوطئ على
ذراعه، فولاني قفاه، فركبت"، وفي حديث ابن عمر: "فلما رآني ظنّ أني
رجل، فقال: يا نومان قم، فقد سار الناس"، وفي مرسل سعيد بن جبير:
"فاسترجع، ونزل عن بعيره، وقال: ما شأنك يا أم المؤمنين؟ فحدثته بأمر
القلادة". انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: ظاهر ما في "الصحيحين" يقوّي ما فهمه
الشرّاح، من أنه لَمْ يكلّمها أصلًا، لكن إن ثبتت هذه الروايات، تدلّ على أنَّه
كلّمها، ولكن لا بدّ من التثبّت في صحّتها، فليُتنبّه، والله تعالى أعلم.
(فَوَطِئَ عَلَى يَدِهَا)؛ أي: ليكون أسهل لركوبها، ولا يحتاج إلى مَسّها
عند ركوبها، وفي حديث أبي هريرة: "فغطى وجهه عنها، ثم أدنى بعيره منها".
(فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ، حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ) هكذا وقع في جميع
الروايات، إلَّا في مرسل مقاتل بن حيان، فإن فيه: "أنه ركب معها مردفًا لها"،
والذي في "الصحيح" هو الصحيح. (بَعْدَمَا نَزَلُوا مُوغِرِينَ) - بضمْ الميم، وكسر
الغين المعجمة، والراء المهملة -؛ أي: نازلين في وقت الوَغْرة - بفتح الواو،
وسكون الغين - وهي شدّة الحرّ لَمّا تكون الشمس في كبد السماء، ومنه أخذ
وَغْر الصدر، وهو توقّده من الغيظ بالحقد، وأوغر فلان: إذا دخل في ذلك
الوقت؛ كأصبح، وأمسى.
وسيأتي لمسلم عن عبد بن حميد قال: قلت لعبد الرزاق: ما قوله:
"موغرين؟ " قال: الوغرة: شدّة الحر.
وسيأتي أيضًا عنده من طريق يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن صالح بن
كيسان: "موعزين" بعين مهملة، وزاي، قال القرطبيّ: كأنه من وعزت إلى فلان
بكذا؛ أي: تقدمت، والأول أَولي، قال: وصحّفه بعضهم بمهملتين، وهو
غلط.
قال الحافظ: ورُوي "مُغَوِّرين"، بتقديم الغين المعجمة، وتشديد الواو،
والتغوير: النزول وقت القائلة.