وأما استنكار البزّار ما وقع في متنه، فمراده أنه مخالف للحديث الآتي
قريبًا من رواية أبي أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة في قصة
الإفك، قالت: "فبلغ الأمرُ ذلك الرجلَ، فقال: سبحان الله، والله ما كشفت
كنف أنثى قطّ"؛ أي: ما جامعتها، والكنف - بفتحتين -: الثوب الساتر، ومنه
قولهم: أنت في كنف الله، أي: في سِتوه، والجمع بينه وبين حديث أبي سعيد
على ما ذكر القرطبيّ أن مراده بقوله: ما كشفت كنف أنثى قط، أي: بِزِنا،
قلت: وفيه نظر، لأنَّ في رواية سعيد بن أبي هلال، عن هشام بن عروة في
قصه الإفك: "أن الرجل الذي قيل فيه ما قيل لمّا بلغه الحديث قال: والله ما
أصبت امرأة قط حلالًا ولا حرامًا"، وفي حديث ابن عباس عند الطبرانيّ:
"وكان لا يقرب النساء"، فالذي يظهر أن مراده بالنفي المذكور ما قبل هذه
القصة، ولا مانع أن يتزوج بعد ذلك، فهذا الجمع لا اعتراض عليه، إلَّا بما
جاء عن ابن إسحاق أنه كان حصورًا، لكنه لَمْ يثبت، فلا يعارض الحديث
الصحيح.
ونقل القرطبيّ أنه هو الذي جاءت امرأته تشكوه، ومعها ابنان لها منه،
فقال النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَهُما أشبه به من الغراب بالغراب"، ولم أقف على مستند
القرطبيّ في ذلك، وسيأتي هذا الحديث في "كتاب النِّكَاح"، وأُبَيّن هناك أن
الطنول فيه ذلك غير صفوان، وهو المعتَمد، إن شاء الله تعالى. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: هكذا طوّل الحافظ - رَحِمَهُ اللهَ - في الجمع بين هذه
الأحاديث، ولا يخفى على المنصف أن هذا الجمع ظاهر التكلّف، والتعسّف،
وما قاله البزّار من كون الحديث منكرًا هو الأظهر الذي لا غبار عليه، فالجمع
بين هذه القصص، وبين ما في الصحيح، وغيره من قوله: "ما كشفت كنف
أنثى قط"، وقوله: "ما أصحبت امرأة قط لا حلالًا، ولا حرامًا"، وقوله: "وكان
حصورًا"، وغير ذلك من أبعد ما يكون من الجمع.
وذكر في "الإصابة" (3/ 441) قصّة مجيء امرأة صفوان إلى النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،
وشكواها في الضرب وغيره، ثم قال: ولكن يشكل عليه أن عائشة قالت في