{فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ} احتقارًا لهم، {إِنَّهُمْ رِجْسٌ}، أي: خُبثاء، نجس بواطنهم

واعتقاداتهم، {وَمَأْوَاهُمْ} في آخرتهم {جَهَنَّمُ}، {جَزَاءً بِمَا كَانُوا

يَكْسِبُونَ}، أي: من الآثام، والخطايا.

وأخبر أنهم وإن رضوا عنهم بحلفهم لهم، {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ

الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 96] أي: الخارجين عن طاعته تعالى، وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم-،

فإن الفسق هو الخروج، ومنه سميت الفأرة "فُوَيسقة"؛ لخروجها من جُحرها

للإفساد، ويقال: "فسقت الرطبة": إذا خرجت من أكمامها. انتهى (?).

وقال العلامة الشوكانيّ -رحمه الله- في "تفسيره": ثم ذكر أن هؤلاء المعتذرين

بالباطل سيؤكدون ما جاؤوا به من الأعذار الباطلة بالحلف عند رجوع المؤمنين

إليهم من الغزو، وغرضهم من هذا التأكيد هو: أن يُعرض المؤمنون عنهم، فلا

يوبخونهم، ولا يؤاخذونهم بالتخلف، ويُظهرون الرضا عنهم، كما يفيده ذكر

الرضا من بعدُ، وحذف المحلوف عليه لكون الكلام يدلّ عليه، وهو اعتذارهم

الباطل، وأمْر المؤمنين بالإعراض عنهم المراد به: تَرْكهم، والمهاجرة لهم، لا

الرضا عنهم، والصفح عن ذنوبهم، كما تفيده جملة: {إِنَّهُمْ رِجْسٌ} الواقعة علة

للأمر بالإعراض، والمعنى: أنهم في أنفسهم رجس؛ لكون جميع أعمالهم

نجسة، فكأنها قد صيرت ذواتهم رجسًا، أو أنهم ذوو رجس، أي: ذوو أعمال

قبيحة، ومثله: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] وهؤلاء لمّا كانوا هكذا كانوا

غير. متأهلين لقبول الإرشاد إلي الخير، والتحذير من الشرّ، فليس لهم إلا

الترك، وقوله: {وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} من تمام التعليل؛ فإن من كان من أهل النار

لا يجدي فيه الدعاء إلى الخير، والمأوى كل مكان يأوي إليه الشيء، ليلًا أو

نهارًا، وقد أوى فلان إلى منزله يأوي أُوِيًّا، وإيواء، {جَزَاءً} منصوب على

المصدرية، أو على العلّية، والباء في {بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} للسببية، وجملة:

{يَحْلِفُونَ لَكُمْ} بدل مما تقدّم، وحذف هنا المحلوف به؛ لكونه معلومًا مما

سبق، والمحلوف عليه لمثل ما تقدّم، وبيَّن سبحانه أن مقصدهم بهذا الحلف

هو رضا المؤمنين عنهم، ثم ذكر ما يفيد أنه لا يجوز الرضا عن هؤلاء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015