وقال في "العمدة": قوله: "أن لا أكون" بدل من قوله: "من صدقي"؛
أي: ما أنعم أعظم من عدم كذبي، ثم عدم هلاكي. انتهى (?).
(فَأَهْلِكَ) بالنصب عطفًا على "أكونَ"، وهو بكسر اللام، وفتحها، قال
المجد -رحمه الله: هَلَكَ، كضَرَبَ، ومَنَعَ، وعَلِمَ، هُلْكًا بالضم، وهَلاكًا، وتُهْلُوكًا،
وهُلوكًا، بضمّهما، ومَهْلَكَة، وتَهْلَكَةً مُثَلَّثَتَي اللامِ: ماتَ، وأهْلَكَهُ، واسْتَهْلَكَهُ،
وهَلَّكَهُ، وهَلَكَهُ يَهْلِكُهُ، لازِمٌ، مُتَعَدٍ. انتهى، 2).
(كَمَا هَلِكَ) كضرب، ومنع، وعلم، (الَّذِينَ كَذَبُوا) بتخفيف الذال؛ أي:
حدّثوا النبيّ -صلي الله عليه وسلم- بالكذب، حيث اعتذروا عن تخلّفهم عنه بأعذار مكذوبة، وهم
المنافقون، وكانوا نيّفًا وثمانين رجلًا، كما سبق بيانه. (إِنَّ اللهَ) -عز وجل- (قَالَ
لِلَّذِينَ)، أي: في بيان شأن الذين (كَذَبُوا) بتخفيف الذال أيضًا، (حِينَ أنْزَلَ
الْوَحْيَ) على رسوله -صلى الله عليه وسلم- (شَرَّ مَا قَالَ لأَحَدٍ) "شرّ" منصوب على أنه نعت لمصدر
محذوف؛ أي: قال قولًا شرَّ ما قال لأحد؛ أي: شرّ ما قال لأحد من الناس،
وقال في "العمدة"؛ أي: قال قولًا شرّ ما قال، بالإضافة؛ أي: شرّ القول
الكائن لأحد من الناس، ثم بَيّن ذلك بقوله، (وَقَالَ اللهُ) -عز وجل-، وأعاد القول
للتأكيد، ({سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ
رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ
فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96)} [التوبة: 95 - 96]، ).
قال الإمام ابن كثير -رحمه الله- في "تفسيره": أخبر تعالى عن المنافقين بأنهم
إذا رجعوا إلى المدينة أنهم يعتذرون إليهم، {قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ}
[التوبة: 94]، أي: لن نصدقكم، {قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ} [التوبة: 94]؛ أي:
قد أعلمنا الله أحوالكم، {وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 94]، أي:
سيُظهر أعمالكم للناس في الدنيا، {ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا
كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجمعة: 8] أي: فيُخبركم بأعمالكم، خيرِها وشرِّها، ويجزيكم
عليها.
ثم أخبر عنهم أنهم سيحلفون معتذرين، لتعرضوا عنهم، فلا تُؤَنِّبُوهم،