(والله مَا تَعَمَّدْتُ كِذْبَةً) بفتح الكاف، وكسرها، مع سكون الذال، من

مصادر كذب، والأَولى هنا على ما يقتضيه سياق الكلام أن يكون بفتح الكاف

مرادًا به المرّة من الكذب؛ لأن الكلام سيق لمبالغة نفي الكذب، فالمرة أَولى،

والله تعالى أعلم.

(مُثْذُ قُلْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ -صلي الله عليه وسلم- إِلَى يَوْمِي هَذَا، وإِنِّي لأَرْجُو أَنْ

يَحْفَظَنيَ اللهُ) بفضله، وكرمه من الكذب (فِيمَا بَقِيَ)، أي: من عمري.

(قَال) كعب: (فَأنزَلَ اللهُ -عز وجل-) في هذه القضيّة قوله تعالى: {لَقَدْ تَابَ

اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ} [التوبة: 117])؛ أي: فيما وقع منه -صلى الله عليه وسلم- من الإذن في التخلف، أو

فيما وقع منه من الاستغفار للمشركين، وليس من لازم التوبة أن يسبق الذنب

ممن، وقعت منه أو له؛ لأن كل العباد محتاج إلى التوبة والاستغفار، وقد تكون

التوبة منه تعالى على النبيّ -صلي الله عليه وسلم- من باب أنه ترك ما هو الأَولى، والأليق، كما

في قوله: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: 43] ويجوز أن يكون ذَكَر

النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لأجل التعريض للمذنبين بأن يتجنبوا الذنوب، ويتوبوا عما قد لابسوه

منها، وكذلك تاب الله -سبحانة وتعالي- ({وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار}) فيما قد اقترفوه من

الذنوب، ومن هذا القبيل ما صحّ عنه -صلى الله عليه وسلم- من قوله: "إن الله اطّلع على أهل

بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم"، ثم وصف سبحانه المهاجرين

والأنصار بأنهم ({الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ})؛ أي: اتبعوا النبيّ -صلي الله عليه وسلم-، فلم يتخلفوا عنه ({فِي

سَاعَةِ الْعُسْرَةِ}) هي غزوة تبوك، فإنهم كانوا في عسرة شديدة، فالمراد بالساعة:

جميع أوقات تلك الغزاة، ولم يُرِدْ ساعة بعينها، والعسرة: صعوبة الأمر.

({مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ}) في {كَادَ} ضمير الشأن،

و{قُلُوبُ} مرفوع {يَزِيغُ} عند سيبويه، وقيل: هي مرفوعة بـ {كَادَ}،

ويكون التقدير: من بعد ما كاد قلوب فريق منهم تزيغ، وقرأ الأعمش،

وحمزة، وحفص: "يزيغ" بالتحتية. قال أبو حاتم: من قرأ بالياء التحتية، فلا

يجوِز له أن يرفع القلوب بـ {كَادَ}، قال النحاس: والذي لم يُجزه جائز عند

غيره، على تذكير الجمع، ومعنى {يَزِيغُ} تتلف بالجهد، والمشقة، والشدّة،

وقيل: معناه: تميل عن الحقّ، وتَتْرك المناصرة، والممانعة، وقيل: معناه: تَهُمّ

بالتخلف عن الغزو، لِمَا هم فيه من الشدّة العظيمة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015