الباء؛ أي: بصدق الحديث، (مُنْذُ ذَكَرْتُ)؛ أي: من وقت ذكري (ذَلِكَ
لِرَسُولِ اللهِ -صلي الله عليه وسلم- إِلَى يَوْمِي هَذَا)؛ يعني: اليوم الذي حدّث فيه بهذا الحديث،
(أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلَانِي اللهُ بِهِ)؛ أي: بصدق الحديث، و"أحسن" نعت لمصدر
محذوف؛ أي: إبلاء أحسن.
والمعنى: ما علمت أحدًا من المسلمين أبلاه الله تعالى بصدق الحديث
إبلاء أحسن مما أبلاني الله تعالى به من وقت ذِكري ذلك الأمر لرسول الله -صلي الله عليه وسلم-
إلى يومي هذا الذي أتحدّث فيه الآن.
وقال في "الفتح": قوله: "فوالله ما أعلم أحدًا من المسلمين أبلاه الله"؛
أي: أنعم عليه، وقوله: "في صدق الحديث، منذ ذكرت ذلك لرسول الله -صلي الله عليه وسلم-
أحسن مما أبلاني"، وكذلك قوله بعد ذلك: "فوالله ما أنعم الله عليّ من نعمة
قط بعد أن هداني إلى الإسلام أعظم من صدقي لرسول الله -صلي الله عليه وسلم-" ففي قوله:
أحسن، وأعظم شاهد على أن هذا السياق يُورَد، ويراد به نفي الأفضلية، لا
المساواة؛ لأن كعبًا شاركه في ذلك رفيقان-؛ أي: مرارة، وهلال- وقد نفى
أن يكون أحد حصل له أحسن مما حصل له، وهو كذلك، لكنه لم ينف
المساواة. انتهى (?).
وقال النوويّ -رحمه الله-: قوله: "أبلاه الله تعالى إلخ"؛ أي: أنعم عليه،
والبلاء، والإبلاء يكون في الخير، والشرّ، لكن إذا أُطلق كان للشرّ غالبًا، فإذا
أريدَ الخير قُيِّد كما قيّده هنا، فقال: "أحسن مما أبلاني". انتهى (?).
وقال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله: "فما أعلم أحدًا أبلاه الله"؛ أي: أنعم عليه،
ومنه قوله تعالى: {وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} [البقرة: 49] أي: نعمة،
ويقال في الخير والشرّ، ثلاثيًّا، ورباعيًّا، وقد جمع بينهما زهير، فقال [من الطويل]:
جَزَى اللَّهُ بِالإِحْسَانِ مَا فَعَلَا بِكُمْ .... وَأَبْلَاهُمَا خَيْرَ الْبَلَاءِ الَّذِي يَبْلُو
وأصله من الابتلاء، وهو الامتحان@ والاختبار، ويمتحن بالخير والشرّ،
كما قال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: 35]. انتهى (?).