شعراء الصحابة، وحاله في ذلك مشهورة، فلا بدّ في التقييد بذلك من حِكمة،
وما قيل في ذلك من الاحتراز من السواد الذي في القمر، ليس بقويّ؛ لأن
المراد تشبيهه بما في القمر من الضياء، والاستنارة، وهو في تمامه، لا يكون
فيها أقلّ مما في القطعة المجردة، قال: وقد ذُكرت في صفة النبيّ -صلي الله عليه وسلم- بذلك
توجيهات، ومنها: أنه للإشارة إلى موضع الاستنارة، وهو الجبين، وفيه يظهر
السرور، كما قالت عائشة: "مسرورًا تبرق أسارير وجهه"، فكأن التشبيه وقع
علي، بعض الوجه، فناسب أن يشبّه ببعض القمر. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن كون حكمة التقييد للاحتراز من
السواد الذي في القمر هو الأقوى، والأوضح مما قاله الحافظ، فتأمله
بالإمعان، والله تعالى أعلم.
(قَالَ) كعب: (وَكنَّا) معاشر الصحابة (نَعْرِفُ ذَلِكَ)؛ أي: كون استنارة
وجىهه -صلى الله عليه وسلم- علامة على سروه، وفي رواية البخاريّ: "وكنّا نعرف ذلك منه"،
وفي، رواية الكشميهنيّ: "فيه"، وفيه ما كان النبيّ -صلي الله عليه وسلم- عليه من كمال الشفقة على
أمته، والرأفة بهم، والفرح بما يسرّهم، وعند ابن مردويه من وجه آخر، عن
كعب بن مالك: "لمّا نزلت توبتي أتيت النبيّ -صلي الله عليه وسلم-، فقبّلت يده، ورُكْبته".
(قَالَ) كعب: (فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ) -صلى الله عليه وسلم- (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ مِنْ
تَوْبَتِي)؛ أي: تمامها وصِدقها، والشكر عليها، (أَنْ أَنْخَلِعَ)؛ أي: أخرج (مِنْ)
جمع (مَالِي) حال كونه (صَدَقَةً)، وقال العينيّ: "صدقةً" بالنصب؛ أي: لأجل
التصدق، ويجوز أن يكون حالًا، بمعنى متصدقًا. انتهى.
وقال في "الفتح": قوله: "صدقةً" هو مصدر في موضع الحال؛ أي:
متصدقًا، أو ضمّن أنخلع معنى أتصدق، وهو مصدر أيضًا. انتهى.
وتعقّب في "المصابيح" كونه مصدرًا، فقال: لا نسلّم أن الصدقة مصدر،
بل هي اسم لِمَا يُتصدّق به، ومنه قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}، وفي
"الصحاح": الصدقة: ما يُتصدّق به على الفقراء، فعلى هذا يكون نَصْبها على
الحال من "مالي" (?)، والله تعالى أعلم.