(إِلَى اللهِ، وَإِلَى رَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم-) خالصة لله تعالى، ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-.
وقال القرطبيّ -رحمه الله-: وقوله: "إن من توبتي أن أنخلع إلخ"؛ أي: إن من
علامات صدق توبتي، أو من شُكر توبتي أن أتصدق بمالي؛ أي: إن عليّ
ذلك، فهي صيغة نذر، والتزام، خرج مخرج الشكر، وابتغاء الثواب، أقرّه عليه
النبيّ -صلي الله عليه وسلم-، فكان ذلك جائزًا، ولم يدخل في عموم النذر المنهيّ عنه بقوله: "لا
تنذروا" متّفقٌ عليه، وقد بيّنا ذلك فيما تقدَّم، وعلى مقتضى هذا اللفظ فقد
وجب عليه إخراج كل ماله، لكن لمّا كان ذلك يؤدي إلى أن يبقى فقيرًا
محتاجًا، وربما يفضي به ذلك إلى سؤال الناس، والى الدخول في مفاسد،
اكتفى الشرع منه ببعضه، فقال: "أمسك عليك بعض مالك، فهو خير لك"،
وهذا البعض الذي أمره بإمساكه هو أكثر، والمتصدَّق به هو الأقل، كما قال
في حديث سعد -رضي الله عنه-: "الثلث، والثلث كثير"، متّفق عليه، كما تقدم.
انتهى (?).
وقال النوويّ -رحمه الله-: قوله: "إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقةَ إلخ":
معنى أنخلع منه: أخرج منه، وأتصدق به، وفيه استحباب الصدقة شكرًا للنعم
المتجددة، لا سيما ما عَظُم منها، وإنما أمره -صلى الله عليه وسلم- بالاقتصار على الصدقة
ببعضه؛ خوفًا من تضرره بالفقر، وخوفًا أن لا يصبر على الإضاقة، ولا يخالف
هذا صدقة أبي بكر -رضي الله عنه- بجميع ماله، فإنه كان صابرًا راضيًا.
[فإن قيل]: كيف قال: "أنخلع من مالي"، فأثبت له مالًا مع قوله أوّلًا:
"نزعت ثوبيّ، والله ما أملك غيرهما"؟ .
[فالجواب]: أن المراد بقوله: "أن أنخلع من مالي" الأرض، والعقار،
ولهذا قال: "فإني أمسك سهمي الذي بخيبر".
وأما قوله: "ما أملك غيرهما" فالمراد به من الثياب، ونحوها، مما
يُخلع، ويليق بالبشير.
وفيه دليل على تخصيص اليمين بالنية، قال: وهو مذهبنا، فإذا حلف لا
مال له، ونوى نوعًا لم يحنث بنوع آخر من المال، أو لا يأكل، ونوى تمرًا،