(سَاجِدًا) لله -سبحانة وتعالي-، حيث منّ عليّ بقبول توبتي، وعند ابن عائذ: "فخرّ ساجدًا
يبكي فرحًا بالتوبة".
قال النوويّ -رحمه الله-: فيه دليل للشافعيّ وموافقيه، في استحباب سجود
الشكر بكل نعمة ظاهرة، حَصَلت، أو نقمة ظاهرة اندفعت. انتهى (?).
وقال القرطبيّ -رحمه الله-: هذه سجدة الشكر، وظاهر هذا أنها كانت معلومة
عنادهم، معمولًا بها فيما بينهم، وقال بها الشافعيّ، ومالك في أحد قوليه،
ومشهور مذهبه الكراهة. انتهى.
وقوله: (وَعَرَفْتُ) جملة حاليّة من الفاعل بتقدير "قد"؛ أي: والحال أني
قد عرفت بسماع صوته (أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ) من الله تعالى بكشف كربتنا، و"أن"
مخفّفة من الثقيلة، واسمها ضمير محذوف؛ أي: أنه قد جاء فرج، قال في
"الخلاصة":
وَإِنْ تُخَفَّفْ "أَنَّ" فَاسْمُهَا اسْتَكَن ... وَالْخَبَرَ اجْعَلْ جُمْلَة مِنْ بَعْدِ "أَنْ"
وإِنْ يَكُنْ فِعْلًا وَلَمْ يَكُنْ دُعَا ... وَلَمْ يَكُنْ تَصْرِيفُهُ مَمْتَنِعَا
فَالأَحْسَنُ الْفَصْلُ بِـ "قَدْ" أَوْ نَفْي أوْ ... تَنْفِيسٍ أوْ "لَوْ" وَقَلِيلٌ ذِكْرُ "لَوْ"
(قَالَ) كعب: (فَآذَنَ) بالمدًّ، وفتح المعجمة؛ أي: أعلم، وللكشميهنيّ
بغير مدّ، وبالكسر، (رَسُولُ اللهِ -صلي الله عليه وسلم- الناسَ بِتَوْبَةِ اللهِ) -سبحانة وتعالي- (عَلَيْنَا) معاشر الثلاثة.
(حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ)؛ أي: فرغ منها بالتسليم، ووقع في رواية
إسحاق بن راشد، ومعمر: "فأنزل الله توبتنا على نبيه -صلى الله عليه وسلم- حين بقي الثلث
الأخير من الليل، ورسول الله -صلي الله عليه وسلم- عند أم سلمة، وكانت أم سلمة مُحسنةً في
شأني، معتنية بأمري، فقال: يا أم سلمة تِيب على كعب، قالت: أفلا أرسل
إليه، فأُبَشِّره؟ قال: إذًا يَحْطِمكم الناسُ، فيمنعوكم النوم سائر الليلة، حتى إذا
صلى الفجر آذن بتوبة الله علينا".
(فَذَهَبَ النَّاسُ) بعدما سمعوا من رسول الله -صلي الله عليه وسلم- خبر التوبة، والحال أنهم
(يُبَشِّرُونَنَا) معاشر الثلاثة.
قال النوويّ -رحمه الله-: فيه دليل لاستحباب التبشير، والتهنئة لمن تجددت له