لهم عذر أصلًا. انتهى كلام الحافظ -رحمه الله- وهو تحقيق نفيسٌ جدًّا، والله تعالى

أعلم.

(فِيهِمَا)؛ أي: في هذين الرجلين، وهو خبر مقدّم لقوله: (أُسْوَةٌ) بكسر

الهمزة، وضمها؛ أي: تأسّ، واقتداء، وقال ابن التين: التأسي بالنظير ينفع في

الدنيا، بخلاف الآخرة، قال الله تعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ} الآية

[الزخرف: 39]. انتهى (?).

(قَالَ) كعب: (فَمَضَيْتُ)؛ أي: ذهبت إلى بيتي، ولم أرجع إلى

رسول الله -صلي الله عليه وسلم- لتكذيب نفسي (حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي)؛ أي: حين ذكر الرجال

الرجلين الصالحين اللذين لي بهما أسوة حسنة، وفي رواية معمر: "فقلت: والله

لا أرجع إليه في هذا أبدًا". (قَالَ) كعب: (وَنَهَى رَسُولُ اللهِ -صلي الله عليه وسلم- الْمُسْلِمِينَ عَنْ

كَلَامِنَا)؛ أي: تكليمهم لنا، (إيُّهَا الثَّلَانةُ) قال القاضي: هو بالرفع، وموضعه

نُصب على الاختصاص؛ أي: أخصّ أيها الثلاثةُ، أو متخصصين أيها الثلاثة

بذلك دون بقية الناس، قال سيبويه نقلًا عن العرب: اللَّهُمَّ اغفر لنا أيتُها

العصابةُ، وهذا مثله، كما قال في "الخلاصة":

الاخْتِصاصُ كَنِدَاءٍ دُونَ يَا ... كَأَيُّهَا الْفَتَى بِإِثْرِ ارْجُونِيَا

وفى هذا هجران أهل البدع والمعاصي، وقوله: (مِنْ بَيْنِ مَنْ تخَلَّفَ عَنْة)

متعلّق بأخصّ المقدّر. (قَالَ) كعب: (فَاجْتَنبَنَا النَّاسُ) بفتح الباء الموحّدة، و"نا"

ضمير المتكلم ومعه غيره، وهي جملة من الفعل، والفاعل، والمفعولى. (وَقَالَ)

كعب: (تَغَيَّرُوا لَنَا)؛ أي: تغيّر الناس علينا، كأنهم لا يعرفوننا، وتغيّر ما في

الأرض علينا (حَتَّى تَنَكَّرَتْ لِي فِي نَفْسِيَ الأَرْضُ) قال النوويّ: معناه: تغيّر

عليّ كل شيء حتى الأرض، فإنها توحّشت عليّ، وصارت كأنها أرض لم

أعرفها؛ لتوحّشها عليّ، كما قال: (فَمَا هِيَ بِالأَرْضِ الَّتِي أَعْرِفُـ) ها، وفي رواية

معمر: "وتنكّرت لنا الحيطان، حتى ما هي بالحيطان التي نعرف، وتنكّر لنا

الناس، حتى ما هم الذين نعرف"، وهذا يجده الحزين، والمهموم، في كل

شيء، حتى قد يجده في نفسه، وزاد البخاريّ في "التفسير" من طريق إسحاق بن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015