راشد، عن الزهريّ: "وما من شيء أهمّ إليّ من أن أموت، فلا يصلي عليّ

رسم ل الله -صلى الله عليه وسلم-، أو يموت، فأكون من الناس بتلك المنزلة، فلا يكلمني أحد

منهم، ولا يصلي عليّ"، وعند ابن عائذ: "حتى وَجِلُوا أشدّ الوَجَل، وصاروا

مثل الرهبان".

قال السهيليّ: وإنما اشتدّ الغضب على من تخلّف، وإن كان الجهاد

فرض كفاية، لكنه في حقّ الأنصار خاصّة فرض عين؛ لأنهم كانوا بايعوا على

ذلك، ومصداق ذلك قولهم، وهم يحفرون الخندق:

نَحْنُ الذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا ... عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا

فكان تخلّفهم عن هذه الغزوة كبيرة؛ لأنه كالنكث لبيعتهم. انتهى.

وعند الشافعيّة وجه أن الجهاد كان فرض عين في زمنه -صلى الله عليه وسلم-، ذكره

القسطلانيّ.

(فَلَبِثْنَا)؛ أي: مكثنا معاشر الثلاثة (عَلَى ذَلِكَ) الهجران (خَمْسِينَ لَيْلَةً)

استُنبط منه جواز الهجران أكثر من ثلاث، وأما النهي الوارد عن الهجر فوق

ثلاث، فمحمول على من لم يكن هجره لأمر شرعيّ. (فَأَمَّا صَاحِبَايَ)، يعني:

مرارة بن الربيع، وهلال بن أميّة، (فَاسْتَكَانَا)؛ أي: خضعا (وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا)

حال كونهما (يَبْكِيَانِ) على تخلّفهما عن النبيّ -صلي الله عليه وسلم-، (وَأمّا أنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ

الْقَوْم)؛ أي: أصغرهم سنًّا (وَأَجْلَدَهُمْ)، أي: أقواهم بدنًا، (فَكُنْتُ أَخْرُجُ) من

بيتي (فَأَشْهَدُ الصَّلَاةَ)، أي: أحضر صلاة الجماعة في المساجد، (وَأَطُوفُ)؛

أي: أدور، وأتجوّل (فِي الأَسْوَاقِ) استئناسًا بأهل الأسواق من الوحشة التي

حلّت به بسبب جفاء الناس له، (وَ) الحال أنه (لَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ) من الناس؛

حيىث نهاهم النبيّ -صلي الله عليه وسلم- عن ذلك، (وَآتِي رَسُولَ اللهِ -صلي الله عليه وسلم-، فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي

مَجْلِسِهِ) جملة حاليّة، (بَعْدَ الصَّلَاةِ) متعلّق بـ "أُسلّم"، أو بـ "آتي" على سبيل

التنازع، (فَأَقُولُ فِي نَفْسِي)؛ أي: أحدّث نفسي قائلًا: (هَلْ حَرَّكَ) -صلى الله عليه وسلم- (شَفَتَيْهِ

بِرَدِّ السَّلَامِ أَمْ لَا؟ )؛ أي: أم لم يحرّكهما، ولعلّه إنما لم يجزم بتحريك

شفتيه -صلى الله عليه وسلم- بردّ السلام عليه لكونه لا يديم النظر إليه من الخجل، (ثُمَّ أُصَلِّي)

النوافل (قَرِيبًا مِنْهُ)؛ أي: في مكان قريب منه -صلى الله عليه وسلم-، أو حال كوني قريبًا منه،

(وَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ) بالسين المهملة، والقاف، أي: أنظر إليه في خفية، (فَإِذَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015