"الفتح" بهما، فقال: قوله: "فجلَّى" بالجيم، وتشديد اللام، ويجوز تخفيفها؛
أي: أوضح. انتهى (?).
يعني: أنه أظهر لهم الأمر، وكَشَفه، ولم يورِّه، والمقصود؛ أنه -صلى الله عليه وسلم- كان
من هديه أن لا يُعلن جهة خروجه للقتال، بل كانت عادته التوريةَ بذلك، فإن
كان يريد جهة المشرق مثلًا توجه إلى المغرب عند خروجه، ثم عاد إلى
المشرق؛ لئلا يتبيّن أمره للمنافقين، ولطلائع العدوّ، وكان ذلك من تدبير
الحرب، وسياسته، فإن الحرب خُدعة، ولكنه لم يفعل مثل ذلك في غزوة
تبوك، بل أعلن جهة خروجه قبل أن يخرج لِمَا رأى من طول السفر، وكثرة
العدوّ، وزيادة المشقّة، فأراد أن يكون المسلمون على بيّنة من الأمر، ويستعدّوا
لهذا السفر بما تيسّر لهم (?)، كما أبان ذلك بقوله: (لِيَتَاهَّبُوا) متعلّق بـ "جلا"،
أي: ليستعدّوا، يقال: تأهّب للسفر: إذا تهيّأ له، وقوله: (أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ) بضمّ
الهمزة، وسكون الهاء؛ أي: عُدّته، وجميع ما يحتاج إليه الإنسان في سفره،
والجمع: أُهَبٌ، بضمّ، ففتح، كغُرْفة وغُرَف (?).
وقال في "الفتح": في رواية الكشميهنيّ: "أُهْبة عدوّهم"، والأهبة بضم
الهمزة، وسكون الهاء: ما يُحتاج إليه في السفر والحرب. انتهى (?).
(فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِمُ)؛ أي: بقصدهم (الَّذِي يُرِيدُ) هـ -صلى الله عليه وسلم-، وقوله:
(وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلي الله عليه وسلم- كَثِيرٌ) جملة مستأنفة، أو في محلّ نصب على
الحال، (وَلَا يَجْمَعُهُمْ)؛ أي: لا يستوعب عددهم (كِتَابُ حَافِظٍ) بالإضافة؛
أي: حساب شخص ماهر في الحساب، وفي رواية البخاريّ: "كتابٌ حافظٌ"
بالتنوين فيهما، على أن الثاني صفة للأول، وزاد في رواية معقل الآتية:
"يزيدون على عشرة آلاف، ولا يجمعهم ديوان حافظ"، وللحاكم في "الإكليل "
من حديث معاذ: "خرجنا مع رسول الله -صلي الله عليه وسلم- إلى غزوة تبوك زيادةً على ثلاثين
ألفًا"، وبهذه العِدّة جزم ابن إسحاق، وأورده الواقديّ بسند آخر موصول،
وزاد: "أنه كان معه عشرة آلاف فرس"، فتُحمَل رواية معقل على إرادة عدد