ينْصُفُهُ، فإن بلغ نصف نفسه، ففيه لغاتٌ، نَصَفَ ينصُفُ، من باب قتل،
وأنصف بالألف، وتنصّف، قاله الفيّوميّ -رحمه الله- (?).
وقال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله: "نصف الطريقَ"؛ أي: بلغ نصفه، يقال:
نصف الماءَ، والشجرةَ، وغيرهما: إذا بلغ نصف ذلك. انتهى (?).
(أتاهُ الْمَوْتُ)؛ أي: أمارته، وسكراته، (فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ)؛ أي: في قبض
روحه، (مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ، وَمَلَائِكَةُ الْعَذَاب، فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ): نحن أحقّ
به؛ لأنه (جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللهِ) -عز وجل-، {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ
وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى: 25].
وقال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله: "إنه جاء تائبًا، مقبلًا بقلبه" هذا نصّ صريح
في أن الله تعالى أطلع ملائكة الرحمة على ما في قلبه، من صحة قَصْده إلى
التوبة، وحِرصه عليها، وأن ذلك خَفِي على ملائكة العذاب، حتى قالت: إنه
لم يعمل خيرًا قط، ولو اطّلعت على ما في قلبه من التوبة لَمَا صحّ لها أن تقول
هذا، ولا تُنازع ملائكة الرحمة في قولها: إنه جاء تائبًا مقبلًا بقلبه، بل شَهِدت
بما في عِلمها، كما شهد الآخرون بما تحقّقوه، لكن شهادة ملائكة الرحمة
على إثبات، وشهادة ملائكة العذاب على عدم علم، وشهادة الاثبات مقدّمة،
فلا جَرَمَ لَمّا تنازع الصنفان، وخرج كلاهما عن الشهادة إلى الدعاوى، بعث الله
إليهما ملَكًا حاكمًا يفصل بينهما، وصوّره بصورة آدميّ؛ إخفاءً عن الملائكة،
وتنويهًا ببني آدم، وأن منهم من يصلح لأن يفصل بين الملائكة إذا تنازعوا.
انتهى (?).
(وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ) نحن أحقّ به، (إِنَّهُ) يَحْتَمل أن يكون بكسر
الهمزة؛ لوقوعها في الجملة المسأنفة التعليليّة، وأن يكون بفتحها بتقدير حرف
التعليل؛ أي: لأنه (لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ) لعل ذلك لكونه قتل مائة نفس، فأحاط
ذلك بحسناته كلّها، أو لأنهم علموا أنه ليس من أهل الطاعة، بل عمره كلّه
جرائم، كما سبق في الرجل الذي أوصى بالوصيّة الجائرة؛ لأنه "لم يبتئر