عند الله خيرًا"؛ أي: لم يدّخر. (فَأتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُور آدَمِيّ، فَجَعَلُوهُ) حَكَمًا
(بَيْنَهُمْ) قال القرطبيّ -رحمه الله-: فيه حجَّة لمالك على قوله: إن المتخاصمَين إذا
حكّما بينهما رجلًا يصلح للتحكيم، لزمهما ما يحكم به، وقد خالفه في ذلك
الشافعيّ. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: قد استوفيت البحث فيها في "شرح النسائيّ" عند
شرح حديث شُريح بن هانئ، عن أبيه هانئ، أنه لمّا وَفَد إلى رسول الله -صلي الله عليه وسلم-
سمعه، وهم يَكنون هانئًا أبا الحَكَم، فدعاه رسول الله -صلي الله عليه وسلم-، فقال له: "إن الله
هو الحكم، وإليه الحُكْم، فلم تكنَى أبا الحكم؟ " فقال: إن قومي إذا اختلفوا
في شيء أتوني، فحكمت بينهم، فرضي كلا الفريقين، قال: "ما أحسن من
هذا؟ فما لك من الولد؟ " قال: لي شُريح، وعبد الله، ومسلم، قال: "فمن
أكبرهم؟ " قال: شُريح، قال: "فأنت أبو شُريح"، فدعا له، ولولده. انتهى (?).
فذكرت اختلاف العلماء في المسألة، ورجّحت ما دلّ عليه هذا الحديث
من جواز التحكيم في كلّ شيء، وأنه ينفذ، ولا يجوز للقاضي أن ينقضه،
فراجع شرحي هناك (?)، وبالله تعالى التوفيق.
(فَقَالَ) ذلك الملك: (قِيسُوا) بكسر القاف، أمْر من قاس الشيء يقيسه
قَيْسًا، من باب باع: بمعنى قدّره، وقاسه يقوسه قَوْسًا، من باب قال لغةٌ، وقايسته
بالشيء مقايسةً، وقياسًا، من باب قاتل، وهو تقديره به، والمقياس: المقدار (?).
(مَا بَيْنَ الأَرْضَيْنِ)؛ أي: الأرض التي خرج منها، والأرض التي خرج
إليها، (فَإِلَى أيَّتِهِمَا كَانَ) الرجل (أَدْنَى)؛ أي: أقرب، (فَهُوَ)؛ أي: ذلك
الرجل، (لَهُ)؛ أي: لذلك الأقرب، (فَقَاسُوهُ)؟ أي: قاسوا ما بين الأرضين
(فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الأَرْضِ التِي أَرَادَ)؛ أي: قَصَد الذهاب إليها، (فَقَبَضَتْهُ
مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ") لكونه مقبول التوبة، وهذا مصداق قوله-رحمه الله-: "إن رحمتي
سبقت غضبي".