قال أبو عمر: تابع يحيى على رفع هذا الحديث عن مالك بهذا الإسناد
أكثر رواة "الموطأ"، ووَقَفه مصعب بن عبد الله الزبيريّ، وعبد الله بن مسلمة
القعنبيّ، فجعلاه من قول أبي هريرة، ولم يرفعاه، وقد رُوي عن القعنبيّ
مرفوعًا كرواية سائر الرواة عن مالك، وممن رواه مرفوعًا عن مالك: عبد الله بن
وهب، وابن القاسم، وابن بكير، وأبو المصعب، ومطرف، ورَوح بن عبادة،
وجماعة. انتهى (?).
وقال في "الاستذكار" بعدما ذكر نحو هذا: والصواب رفعه؛ لأنَّ مثله لا
يكون رأيًا، وقد ذكرنا في "التمهيد" طرقًا كثيرة لحديث أبي هريرة هذا، وذكرنا
من رواه معه من الصحابة - رضي الله عنهم -. انتهى (?).
(المسألة الرابعة): في فوائده:
1 - (منها): بيان إثبات البعث بعد الموت، وإن تفرقت الأجزاء،
وتلاشت.
2 - (ومنها): بيان عظمة قدرة الله تعالى.
3 - (ومنها): بيان فضيلة الخوف من الله تعالى، وغَلَبتها على العبد،
وأنها من مقامات الإيمان، وأركان الإِسلام، وبها انتفع هذا المسرف،
وحصلت له المغفرة.
[تنبيه]: قال الحافظ وليّ الدين - رحمه الله -: إن قلت: في "الصحيحين" من
حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، عن الله تعالى: "أنا عند ظنّ عبدي
بي"، وهذا قد ظنّ بربه تعذيبه، وعدم المغفرة له، فكيف غفر له؟ .
قلت: قد اختلفوا في معنى هذا الحديث، فقيل: المراد به الرجاء،
وتأميل العفو. وقيل: معناه: بالغفران له إذا استغفر، والقبول له إذا تاب،
والإجابة إذا دعا، والكفاية إذا طلب الكفاية. فإن قلنا بالثاني، فالجمع واضح؛
لأنَّ هذا قد ندم على ما فَرَطَ منه، ولولا ندمه لَمَا أَمَر أن يُفعل به ذلك، فكان
تائبًا، فقُبلت توبته، وغُفر له. وإن قلنا بالأوّل، فقد حكى القاضي عياض،
والنوويّ في "شرح مسلم" أنَّه قيل: إنما أوصى بذلك تحقيرًا لنفسه، وعقوبة