قال الحافظ - رحمه الله -: قالت المعتزلة: غُفر له؛ لأنه تاب عند موته، وندم
على فعله، وقالت المرجئة: غُفر له بأصل توحيده الذي لا تضرّ معه معصية.
وتُعُقّب الأوّل بأنّه لم يَرِد أنَّه ردَّ المظلمة، فالمغفرة حينئذ بفضل الله، لا
بالتوبة؛ لأنها لا تتم إلا بأخذ المظلوم حقه من الظالم، وقد ثبت أنَّه كان
نَبّاشًا.
وتُعُقِّب الثاني بأنّه وقع في حديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - المشار إليه أولًا
أنَّه عُذّب، فعلى هذا فتُحْمَل الرحمة والمغفرة على إرادة ترك الخلود في النار،
وبهذا يردّ على الطائفتين معًا: على المرجئة في أصل دخول النار، وعلى
المعتزلة في دعوى الخلود فيها، وفيه أيضًا ردّ على من زعم من المعتزلة أنَّه
بذلك الكلام تاب، فوجب على الله قبول توبته. انتهى.
وقيل: إن مغفرته إنما هي لكمال خوفه، وخشيته من الله - عز وجل -؛ لأنَّ
الخشية من المقامات السنية، ولمّا كانت على أقصى مراتبها، وإن حصلت عند
حضور علامات الموت، صارت سببًا لمحو جميع سيئاته، ووسيلة إلى مغفرة
جميع ذنوبه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}،
وقد تقدَّم أن الخوف من الله من لوازم الإيمان، والله تعالى أعلم.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [4/ 6955 و 6956] (2756)، و (البخاريّ) في
"أحاديث الأنبياء" (3481) و"التوحيد" (7506)، و (النسائيّ) في "المجتبى"
(4/ 112) وفي "الكبرى" (2206)، و (ابن ماجه) في "الزهد" (4255)،
و(مالك) في "الموطّأ" (1/ 240)، و (أحمد) في "مسنده" (1/ 398 و 2/ 204)،
و(البغويّ) في "شرح السُّنَّة" (4183 و 4184)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): قد ذكر الإمام أبو عمر بن عبد البرّ - رحمه الله - اختلاف رواة
"الموطّأ" في رفع هذا الحديث ووقفه، فقال بعد أن أورد الحديث من رواية
يحيى بن يحيى الليثيّ عن مالك مرفوعًا ما نصّه: