لها؛ لعصيانها، وإسرافها، رجاء أن يرحمه الله تعالى، فهو حينئذ قد رجا
العفو، وأمّله، فكان الله عند ظنّه به، فعفا عنه، وهذا بعيد من قوله: "إن
قدر الله عليّ"، إن لم يؤوّله بما تقدَّم، والله تعالى أعلم. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما قاله القاضي عياض، والنوويّ
- رحمهما الله تعالى - جواب سليم، وتوجيه مستقيم، وبه يزول الإشكال. والله
تعالى أعلم.
4 - (ومنها): أنَّه لا ضرر على العبد في غلبة الخوف، وإن كانت بقرب
الوفاة، وإن كان المطلوب من العبد في تلك الحالة أن يُحسن ظنه بربّه، لِمَا
أخرجه مسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ - رضي الله عنهما -، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قبل موته بثلاثة أيام، يقول: "لا يموتنّ أحدكم، إلا وهو يحسن الظن
بالله - عز وجل -".
5 - (ومنها): أنَّه يدلّ على أن خوف العبد من ذنبه، ليس كراهية للقاء الله
تعالى؛ لأنَّ الخائف من ذنبه يطلب أن يكون مصيره إلى الدار الآخرة على وجه
مرضيّ، يقربه إلى الله تعالى، فَكَرِه حالة نفسه التي هو عليها، ولم يكره لقاء الله
تعالى مطلقًا، بل أحبّ لقاءه على غير تلك الحالة، قاله وليّ الدين - رحمه الله -.
6 - (ومنها): أن الأعمال بالنيّات، والمقاصد، فإن الله تعالى لم ينظر
إلى هذا العمل، بل إلى القصد، فقال له: "لم فعلت هذا؟ "، ولما كان الحامل
عليه الخشية، كان سبب المغفرة، ولو حَمَل عليه سبب آخر فاسد، لكان الأمر
بخلاف ذلك، فيما يظهر، والله تعالى أعلم.
7 - (ومنها): أن فيه بيانَ سعة رحمة الله تعالى، ومغفرته، وأن المسرف
على نفسه لا ييأس من ذلك، وقد قال الله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى
أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}
[الزمر: 53]، وقد قيل: إن هذه الآية أرجى آية في كتاب الله تعالى، اللَّهُمَّ اغفر لنا
ذنوبنا، وكفّر عنّا سيّاتنا، وأدخلنا الجنّة برحمتك يا أرحم الراحمين.
(المسألة الخامسة): أنَّه استُشكل قوله: "لئن قدر الله عليّ، ليعذّبنّي"؛
لأنَّ ظاهره نفي قدرة الله تعالى على إحيائه، وإعادته، والشاكّ في قدرة الله
تعالى كافر، مع أن الحديث يدلّ على إسلامه من وجهين: