وفي حديث أبي سعيد: "فقال الله: كن، فإذا رجل قائم"، وفي حديث سلمان
الفارسيّ عند أبي عوانة في "صحيحه": "فقال الله له: كن، فكان كأسرع من
طرفة العين"، وهذا جميعه كما قال ابن عقيل: إخبار عما سيقع له يوم القيامة،
وليس كما قال بعضهم: إنه خاطب روحه، فإن ذلك لا يناسب قوله:
فجمعه الله؛ لأنَّ التحريق، والتفريق، إنما وقع على الجسد، وهو الذي يُجمع،
ويعاد عند البعث. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: لا داعي إلى صرف ظاهر الحديث بهذا
التأويل، فإن الحديث ظاهر في كون هذا الأمر بعد أن فَعل الرجل ما أَمر به
مباشرة، فتأمله بالإمعان، والله تعالى أعلم.
(ثُمَّ قَالَ) الله - عز وجل - للرجل: (لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ )؛ أي: ما ذُكر من الوصية
الجائرة، وفي رواية: "ما حملك على ما صنعت؟ " (قَالَ) الرجل: (مِنْ
خَشْيَتِكَ)؛ أي: فعلتُ ما فعلتُ من أجل خشيتي لعذابك (يَا رَبِّ) وفي حديث
حذيفة: "ما حملني إلا مخافتك"، (وَأَنْتَ أَعْلَمُ) بقصدي من ذلك، قال ابن
عبد البرّ - رحمه الله -: وهذا دليل على إيمانه؛ إذ الخشية لا تكون إلا لمؤمن، بل
لعالم، قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، ويستحيل
أن يخافه من لا يؤمن به، وقد رُوي الحديث بلفظ: "قال رجل لم يعمل خيرًا
قط إلا التوحيد"، وهذه اللفظة ترفع الإشكال في إيمانه، والأصول تعضدها:
{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48].
قلت (?): الخشية من لوازم الإيمان، ولمّا كان فعله هذا من أجل خشية الله
تعالى، وخوفه، فلا بد من القول بإيمانه، وعلى هذا فالحديث ظاهر، بل هو
كالصريح في استثناء التوحيد، كما تقدم، فلا إشكال فيه.
(فَغَفَرَ اللهُ لَهُ") وفي حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -: "فما تلافاه أن رحمه"؛ أي:
تداركه، و"ما" موصولة؛ أي: الذي تلافاه هو الرحمة، أو نافية، وصيغة
الاستثناء محذوفة، وفي رواية بلفظ: "فتلقاه رحمة".