قال التوربشتيّ: وهذا أسلم الوجوه، وقال الطيبيّ: وهو كلام صدر عن
غلبة حيرة، ودهشة، من غير تدبر في كلامه، كالغافل، والناسي، فلا يؤاخذ
فيما قال، قال القاري: هذا هو الظاهر من الحديث كما سيأتي حيث قال
تعالى: "لِمَ فعلت؟ قال: من خشيتك يا رب وأنت أعلم".
وقيل: ذلك لا يؤاخذ عليه، وقال السنديّ: يَحْتَمِل أن شدة الخوف
طيَّرت عقله، فما التفت إلى ما يقول، وما يفعل، وأنه هل ينفعه أم لا؟ ، كما
هو المشاهَد في الواقع في مهلكة، فإنَّه قد يتمسك بأدنى شيء لاحتمال أنَّه لعله
ينفعه؛ إذ هو فيما قال، وفَعَل في حُكْم المجنون. انتهى.
وجعل الحافظ هذا القول أظهر الأقوال، حيث قال: وأظهر الأقوال أنَّه
قال ذلك في حال دهشته، وغلبة الخوف عليه، حتى ذهب بعقله لِما يقول،
ولم يقله قاصدًا لحقيقة معناه، بل في حالة كان فيها كالغافل، والذاهل،
والناسي الذي لا يؤاخَذ بما يصدر منه، قال: وأبعد الأقوال قول من قال: إنه
كان في شَرْعهم جواز المغفرة للكافر. انتهى.
وقال ابن أبي جمرة: كان الرجل مؤمنًا؛ لأنه قد أيقن بالحساب، وإن
السيئات يعاقَب عليها، وأما ما أوصى به فلعله كان جائزًا في شرعهم لتصحيح
التوبة، فقد ثبت في شرع بني إسرائيل قَتْلهم أنفسهم، وقيل: ظن هذا الرجل
أن الله تعالى إن وجده على حاله وهيئته يعذبه شديدًا، وإذا وجده محترقًا
مطحونًا مفرقًا، فلعله يرحمه، ويُشفق عليه؛ لتحمّله تلك المشاقّ والشدائد،
كما هو دأب الموالي الكرماء، فإنهم إذا وجد أحدهم عبده المسيء في مرض،
أو شدة رَحِمه، وعَطَف عليه، ورضي عنه، وإن كان قبل ذلك ساخطًا عليه،
وغضبان، والله تعالى أعلم (?).
(فَلَمَّا مَاتَ الرَّجُلُ) الموصي بذلك، (فَعَلُوا)؛ أي: أهله، أو بَنُوه، (مَا
أَمَرَهُمْ) به، من التحريق وغيره، (فَأَمَرَ اللهُ الْبَرَّ، فَجَمَعَ مَا فِيهِ)؛ أي: من أجزاء
الرجل، (وَأَمَرَ الْبَحْرَ، فَجَمَعَ مَا فِيهِ)؛ أي: من أجزائه أيضًا، وفي رواية:
"فأمر الله تعالى الأرض، فقال: اجمعي ما فيك منه، ففعلت، فإذا هو قائم"،