وفي رواية "أسرف رجل على نفسه"؛ أي: بالغ في فعل المعاصي، وهذا

لفظ مسلم، وللبخاريّ: "كان رجل يسرف على نفسه"، وفي حديث حذيفة عند

البخاريّ: "إنه كان يسيء الظن بعمله"، وفي حديث أبي سعيد عند الشيخين:

"فإنَّه لم يبتئر عند الله خيرًا"، وفسَّرها قتادة: لم يَدَّخِر، ووقع في آخر حديث

حذيفة عند البخاريّ: قال عقبة بن عمرو أبو مسعود: وأنا سمعته - يعني:

النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك، وكان نباشًا - أي: للقبور - يسرق أكفان الموتى، قال

الحافظ: قوله: "وكان نباشًا" هو من رواية حذيفة، وأبي مسعود معًا، كما يدلّ

عليه رواية ابن حبَّان.

ووقع في رواية للطبراني بلفظ: "بينما حذيفة وأبو مسعود جالسين، فقال

أحدهما: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن رجلًا من بني إسرائيل كان ينبش

القبور".

وقوله: (لأَهْلِهِ) متعلّق بـ"قال"، (إِذَا مَاتَ فَحَرِّقُوهُ) بصيغة الأمر من

التحريق، وفي الرواية التالية: "فأحرقوه" من الإحراق، ومقتضى السياق أن

يقول: إذا مت فحرّقوني، لكنه على طريق الالتفات، قال الطيبيّ: قوله: "إذا

مات. . . إلخ" مقول "قال" على الرواية الأُولى، ومعمول "أوصى" على الرواية

الأخرى، فقد تنازعا فيه في عبارة الكتاب. انتهى.

(ثُمًّ اذْرُوا) يجوز فيه وصل الهمزة، وقَطْعها من الثلاثي المجرد،

والمزيد، يقال: ذَرَت الريح التراب وغيره تَذْرُوه ذروًا وذريًا وذَرّته: أطارته،

وسفّته، وأذهبته، وفرّقته بهبوبها، قال الحافظ: بهمز قَطْع وسكون المعجمة،

مِن: أذرت العين دمعها، وأذريت الرجل عن الفرس، وبالوصل مِن: ذروت

الشيءَ، ومنه: {تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} [الكهف: 45].

وفي رواية: "ثمَّ اطحنوني، ثمَّ ذُرُّوني" بضم المعجمة، وتشديد الراء، من

الذرّ؛ أي: فرّقوني. وفي حديث حذيفة عند البخاري في "الرقاق": "فذروني"،

قال الحافظ: بالتخفيف بمعنى الترك، وبالتشديد بمعنى التفريق، وهو ثلاثيّ

مضاعف، تقول: ذررت الملح أَذُرّه، ومنه الذريرة نوع من الطِّيب. قال ابن

التين: ويَحْتَمِل أن يكون بفتح أوله، وكذا قرأناه، ورويناه بضمها، وعلى الأوّل

هو من التذرية، وعلى الثاني من الذرّ. انتهى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015