3 - (ومنها): أن الرحمة المنقسمة إلى هذا العدد هي الرحمة الفعليّة
التابعة لمشيئته - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -، فإنها مخلوقة قابلة للتقسيم، وأما الرحمة التي هي من
صفات ذاته - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -، فإنها صفة قائمة به، لا تتجزّأ.
قال الشيخ البرّاك - حفظه الله تعالى -: دلّت النصوص من الكتاب والسُّنَة
على أنَّ الرحمة المضافة إلى الله تعالى رحمتان:
إحداهما: هي صفته، وصفاته تعالى غير مخلوقة، وإضافتها إليه تعالى
من إضافة الصفة إلى الموصوف، كما قال تعالى عن نبيّ الله سليمان - عَلَيْهِ السَّلَامْ -:
{وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19]، وقال تعالى:
{وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ} [الكهف: 58]، وقال تعالى: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فهذان الاسمان
متضمّنان صفة الرحمة، فاسمه الرَّحمن يدلّ على الرحمة الذاتيّة التي لَمْ يزل،
ولا يزال موصوفًا بها، واسمه الرحيم يدلّ على الرحمة الفعليّة التابعة
لمشيئته - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -، كما قال تعالى: {إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ} [الإسراء: 54]، وقال تعالى:
{وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ} [العنكبوت: 21].
وأهل السُّنَّة والجماعة يُثبتون الرحمة لله تعالى صفة قائمة به، والمعطّلة،
ومن تبعهم ينفون حقيقة الرحمة عن الله تعالي، ومنهم الأشاعرة، ويؤوّلونها
بالإرادة، أو النعمة.
والرحمة الأخرى مما يضاف إليه تعالى: هي رحمة مخلوقة، وإضافتها
إليه هي إضافة مخلوق إلى خالقه، ومن شواهدها قول الله تعالى: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ}
[الروم: 50]، وقوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107)}
[آل عمران: 107]، وقوله - للجنّة - كما في الحديث
القدسيّ: "أنت رحمتي أرحم بك من أشاء".
والرحمة المذكورة في حديث الباب هي الرحمة المخلوقة، وهي التي
جعلها الله - عَزَّوَجَلَّ - في مائة جزء، والرحمة المخلوقة في الدنيا والآخرة هي أثر
الرحمة التي هي صفته، ومقتضاها. انتهى كلام البرّاك (?)، وهو بحثٌ نفيسٌ
جدًا، والله تعالى أعلم.