الحليم ومشاهدة صفة الحلم، والتعبد بهذا الاسم والحكمة والمصلحة الحاصلة
من ذلك بتوسط الذنب أحب إلى الله، وأصلح للعبد وأنفع من فَوْتها ووجود
الملزوم بدون لازمه ممتنع.
ومنها: معرفة العبد كرم ربه في قبول العذر منه إذا اعتذر إليه بنحو ما
تقدم من الاعتذار لا بالقدر، فإنه مخاصمة ومحاجة كما تقدم، فيقبل عذره
بكرمه وَجُوده فيوجب له ذلك اشتغالًا بذكره وشكره ومحبةٍ أخرى لم تكن
حاصلة له قبل ذلك، فإن محبتك لمن شَكَرك على إحسانك وجازاك به ثم غفر
لك إساءتك ولم يؤاخذك بها أضعاف محبتك على شُكر الإحسان وحده والواقع
شاهد بذلك، فعبودية التوبة بعد الذنب لون، وهذا لون آخر؛ يعني: أن عبودية
التوبة بعد الذنب لون، وهذا الذي ذكره أخيرًا من معرفة العبد كرم ربه إلخ لون
آخر.
ومنها: أن يشهد فضله في مغفرته فإن المغفرة فضل من الله، وإلا فلو
أخذ بالذنب لأخذ يمحض حقه، وكان عادلًا محمودًا، وإنما عفوه بفضله، لا
باستحقاقك، فيوجب لك ذلك أيضًا شكرًا له ومحبة وإنابة إليه وفرحًا وابتهاجًا
به ومعرفة له باسمه الغفار، ومشاهدة لهذه الصفة، وتعبدًا بمقتضاها وذلك
أكمل في العبودية والمحبة والمعرفة.
ومنها: أن يكمل لعبده مراتب الذل والخضوع والانكسار بين يديه
والافتقار إليه، فإن النفس فيها مضاهاة الربوبية لو قدرت لقالت كقول فرعون
ولكنه قَدَر فاظهر، وغيره عجز فأضمر، وإنما يخلصها من هذه المضاهاة ذل
العبودية، وهو أربع مراتب:
المرتبة الأولى: مشتركة بين الخلق وهي ذل الحاجة والفقر إلى لله، فأهل
السماوات والأرض محتاجون إليه فقراء إليه، وهو وحده الغني عنهم، وكل
أهل السماوات والأرض يسألونه وهو لا يسأل أحدًا.
المرتبة الثانية: ذل الطاعة والعبودية، وهو ذل الاختيار، وهذا خاص
بأهل طاعته، وهو سر العبودية.
المرتبة الثالثة: ذل المحبة، فإن المحب ذليل بالذات لمحبوبه وعلى قدر
محبته له يكون ذله، فالمحبة أُسست على الذلة للمحبوب كما قيل [من الكامل]: