بين عينيه، فلا يزال كأنه ينظر إليه. ونحوه عن ابن السماك: أن تنصب الذَّنْب
الذي أقللت فيه الحياء من الله أمام عينك، وتستعدّ لمنتظرك. وقال أبو بكر
الوراق: هو أن تَضِيْق عليك الأرض بما رحبت، وتضيق عليك نفسك؛ كالثلاثة
الذين خُلِّفوا. وقال أبو بكر الواسطيّ: هي توبة لا لِفَقد عِوَض؛ لأنَّ من أذنب
في الدنيا لرفاهية نفسه، ثم تاب طلبًا لرفاهيتها في الآخرة، فتوبته على حفظ
نفسه، لا لله. وقال أبو بكر الدقاق المصريّ: التوبة النصوح هي رد المظالم،
واستحلال الخصوم، وإدمان الطاعات. وقال رُويم: هو أن تكون لله وجهًا بلا
قفًا، كما كنت له عند المعصية قَفًا بلا وجه. وقال ذو النون: علامة التوبة
النصوح ثلاث: قلّة الكلام، وقلّة الطعام، وقلّة المنام. وقال شقيق: هو أن
يكثر صاحبها لنفسه الملامة، ولا ينفك من الندامة، لينجو من آفاتها بالسلامة.
وقال سريّ السقطيّ: لا تصلح التوبة النصوح إلَّا بنصيحة النفس والمؤمنين؛
لأنَّ من صحب (?) توبته أحب أن يكون الناس مثله. وقال الجنيد: التوبة
النصوح هو أن ينسى الذَّنْب، فلا يذكره أبدًا؛ لأنَّ من صحت توبته صار
محبًّا لله، ومن أحب الله نسي ما دون الله. وقال ذو الأذنين (?): هو أن يكون
لصاحبها دمع مسفوح، وقلب عن المعاصي جموح. وقال فتح الموصليّ:
علامتها ثلاث: مخالفة الهوي، وكثرة البكاء، ومكابدة الجوع والظمأ. وقال
سهل بن عبد الله التستريّ: هي التوبة لأهل السُّنَّة والجماعة؛ لأنَّ المبتدع لا
توبة له، بدليل قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "حجب الله على كلّ صاحب بدعة أن يتوب". وعن
حذيفة: بحسب الرجل من الشرّ أن يتوب من الذَّنْب، ثم يعود فيه.
وأصل التوبة النصوح من الخلوص، يقال: هذا عسل ناصح: إذا خلص من
الشمع. وقيل: هي مأخوذة من النصاحة، وهي الخياطة، وفي أخذها منها وجهان:
أحدهما: لأنَّها توبة قد أحكمت طاعته، وأوثقتها، كما يُحكم الخياط
الثوب بخياطته، ويوثقه.