والثاني: لأنَّها قد جمعت بينه وبين أولياء الله، وألصقته بهم، كما يجمع
الخياط الثوب، ويُلصق بعضه ببعض.
وقراءة العامة "نصوحًا" بفتح النون، على نعت التوبة، مثل امرأة صبور؛
أي: توبة بالغة في النصح.
وقرأ الحسن وخارجة وأبو بكر عن عاصم بالضم، وتأويله على هذه
القراءة: توبة نُصْح لأنفسكم.
وقيل: يجوز أن يكون "نصوحًا"، جمع نصح، وأن يكون مصدرًا، يقال:
نصح نصاحة ونصوحًا، وقد يتفق فَعالة وفُعول في المصادر، نحو الذهاب
والذهوب. وقال المبرد: أراد توبة ذات نصح، يقال: نصحت نصحًا ونصاحةً
ونصوحًا. انتهى كلام القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهَ - (?).
قال الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ - بعد ذكر بعض كلام القرطبيّ المذكور ما نصّه: وجميع
ذلك من المكملات، لا من شرائط الصحة. انتهى (?)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الخامسة): ثم بعد أن كتبت ما سبق رأيت الإمام العلّامة ابن
قيّم الجوزيّة - رَحِمَهُ اللهُ - كتب في كتابه "مدارج السالكين" بحثًا نفيسًا في التوبة شاملًا
لِمَا تقدّم، وزائدًا عليه، فأحببت إيراده هنا؛ تتميمًا للفائدة، وتكميلًا للعائدة،
فأقول:
قال - رَحِمَهُ اللهُ -: وكثير من الناس إنما يفسر التوبة بالعزم على أنَّ لا يعاود
الذَّنْب، وبالإقلاع عنه في الحال، وبالندم عليه في الماضي. وإن كان في حق
آدمي فلا بد من أمر رابع وهو التحلل منه، وهذا الذي ذكروه بعض مسمى
التوبة بل شرطها. وإلا فالتوبة في كلام الله تعالى ورسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما تتضمن ذلك
تتضمن العزم على فعل المأمور والتزامه، فلا يكون بمجرد الإقلاع والعزم
والندم تائبًا حتى يوجد منه العزم الجازم على فعل المأمور والإتيان به، هذا
حقيقة التوبة، وهي اسم لمجموع الأمرين لكنها إذا قُرنت بفعل المأمور كانت
عبارة عما ذكروه، فإذا أفردت تضمنت الأمرين، وهي كلفظة التقوى التي عند